العيساوي : إذا لم يبادر المالكي إلى تقديم حلول سريعة فإن حكومته ستسقط بالتأكيد
الخيام تمتد مسافة كبيرة وتزدحم بالمعتصمين المطالبين بحقوقهم «المشروعة» حسب وصفهم، ترتفع فوق الخيام الأعلام العراقية وليست أعلام النظام السابق، لهذا كان إلزاما على جميع السيارات أن تتخذ من طريق جانبي محاذ دربا لمواصلة مسيرها لمسافة محدودة.
«الشرق الأوسط» التقت العيساوي في «قصر الشامية»، مضيف الشيخ أحمد أبو ريشة، هناك كان شيوخ عشائر الأنبار وعدد من المواطنين يتوافدون لدعم العيساوي، الذي كان قد أعلن استقالته من الحكومة تأييدا لمطالب المتظاهرين ونزولا عند طلبهم، حسب ما أكد، و«تنفيذا لقرار اتخذته (القائمة العراقية) بالانسحاب الجماعي من الحكومة». العيساوي أكد في حواره، وهو الأول لصحيفة عربية منذ استقالته، أن «عمر الحكومة العراقية قصير»، مشيرا إلى أن «المالكي استغل الديمقراطية لبناء نظام ديكتاتوري». وفي ما يلي نص الحوار:
* ما الذي دفعكم لتقديم استقالتكم؟
- أعتقد أن كل من يعرف مواقفي في مجلس الوزراء والحكومة لم يتفاجأ بتقديمي استقالتي، لأنني عبرت عن رفضي للأزمات المتراكمة في أكثر من جلسة من جلسات مجلس الوزراء، سواء ما يتعلق بالملف الأمني، أو ما يتعلق بالتوازن لتمثيل جميع المكونات في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأمنية (التوازن الوطني) وبالذات بالملف الأمني، وما يتعلق بسياسات الاعتقال، وما يتعلق بملفات اتفاقية أربيل، ومن ثم لم يتم تنفيذها، فالحكومة بلا وزيري الدفاع والداخلية، ومعظم الأجهزة الحساسة في الدولة تدار وكالة، وهناك اليوم هيمنة حزبية من لون طائفي واحد على جميع الأجهزة الأمنية، وهناك استهداف لمكون العرب السنة بشكل صارخ وواضح، حتى في الوظائف التي لا تتعلق بالأجهزة الأمنية، التعليم العالي مثلا، والجلسات الأخيرة في مجلس الوزراء شهدت مشادات كثيرة في هذا الصدد، لكن محاضر اجتماعات مجلس الوزراء لا تعلن للرأي العام مثلما يحدث في جلسات مجلس النواب (البرلمان)؛ فإنها تبقى في الأرشيف، ثم جاءت الأزمة الأخيرة (مداهمة مقره كوزير للمالية واتهام حماياته بالضلوع في عمليات إرهابية)، وكانت بالنسبة لي أزمة أخرى تختلقها الحكومة للهروب من الاستحقاقات، سواء كانت هذه الاستحقاقات تتعلق بالفشل في الملف الأمني، أو في ملفات الخدمات والفساد المالي والإداري واقترابها من انتخابات مجالس المحافظات ومن ثم الانتخابات التشريعية، وبالتالي فإن الحكومة ليست ذاهبة إلى حل الأزمات، بل إلى اختلاقها. على أثر تراكم هذه الملفات والمظالم، خرجت محافظات المناطق الغربية والشمالية وجزء من بغداد وديالى في مظاهرات واعتصامات كبيرة، وجاءت حادثة التجاوز على حمايات وزارة المالية التي كنت أشغل حقيبتها، وهي واحدة من التجاوزات التي تزامنت ومنذ وقت مبكر جدا لخروج هذه المظاهرات. ولدى تواصلي مع المتظاهرين في الشارع العراقي، وجدت هناك نقمة على الأداء الحكومي وعلى المشاركين في الحكومة حتى من العرب السنة، وصار هناك اتجاه من قبل المعتصمين بأنه إذا كانت الحكومة عاجزة عن تلبية مطالبهم المشروعة ففي الأقل يتحتم على الوزراء الذين أوصلتهم أصوات العرب السنة، بين قوسين، إلى الحكومة أن يعبروا عن رفضهم لهذه الحالة، وساحات الاعتصام اعتقدت أن أفضل وسيلة للتعبير عن الرفض هي تقديم استقالة هؤلاء الوزراء.
* هل جاء قراركم متناسبا مع توجه ائتلافكم (العراقية)، هل استشرت قيادتها مثلا؟
- استقالتي جاءت بناء على جملة ممارسات وتراكمات تتعلق بإخفاق الحكومة في أدائها لواجباتها، ومبنية على توجهات وموقف مسبق مبني على قرار لائتلاف «العراقية» أن جميع وزرائها يجب أن يخرجوا من الحكومة وألا يكونوا شركاء في إساءات أدائها. تلكأ البعض.. وتأخر البعض الآخر. قسم منهم، وبحسن نية، يعتقد أن وجوده في الحكومة من الممكن أن يحقق مطالب المتظاهرين، وقسم آخر بقي لتحقيق مكاسب شخصية، أما أنا فلم أستطع البقاء مع المنتظرين ولا مع الباحثين عن فرص لتحقيق مكاسبهم الشخصية، لهذا اخترت البقاء مع المعتصمين وأعلنت استقالتي في ساحة «العز والكرامة» في الرمادي، ثم قدم عبد الكريم السامرائي استقالته في ساحة المعتصمين بسامراء.
* وهل تحتم عليك وحدك تقديم استقالتك؟
- كلا.. ليكن معلوما أن الدكتور صالح المطلك، نائب رئيس الوزراء، عندما زار ساحة الاعتصام في الرمادي طالبته الجماهير بتقديم استقالته، وكانوا يرددون نداء موجها إليه «استقل.. استقل»، ووجهت رسائل من ساحات الاعتصامات في المحافظات الغربية والشمالية تطالب معظم الوزراء بتقديم استقالاتهم، كون هذه الحكومة لم تنفذ ما تم الاتفاق عليه.
* هل هناك قرار لقيادة «العراقية» بتقديم وزرائها الاستقالة من الحكومة؟
- نعم.. القرار الرسمي لـ«العراقية» بأن يقدم وزراؤها استقالاتهم الجماعية من الحكومة، وكان الموقف يتعلق بتوقيت تنفيذ القرار، ولم يكن هناك في الأصل أي جدل أو نقاش أو اعتراض على اتخاذ القرار، وعندما أقول إنه كان هناك تفكير في توقيت تنفيذ القرار لأننا كنا ننسق مع «التيار الصدري» و«التحالف الكردستاني» حول إمكانية أن يتم سحب الوزراء من هذه الكتل الثلاث («العراقية» و«التحالف الكردستاني» و«التيار الصدري») مجتمعين، وهذا يشبه كثيرا إجراء سحب الثقة من الحكومة، خاصة إذا انسحبت هذه الكتل الثلاث من الوزارة.
* ومن الذي أخركم في «العراقية» عن تنفيذ قراركم بتقديم استقالاتكم أصلا؟
- بدأ بعض الإخوة في «العراقية» بالحديث عن إمكانية الحوار مع الحكومة لتنفيذ ملفات مطالب المعتصمين، قلنا: هذا ممكن، مع أن قناعاتنا بأن اللجان التي شكلتها الحكومة، سواء كانت الخماسية أو السباعية، لم تنزل إلى عمق المشكلة، جذر المشكلة، بل اتجهت إلى حلول سطحية مثل إطلاق سراح بعض المعتقلين الذين قرر القضاء إطلاق سراحهم سابقا لبراءتهم من التهم الموجهة إليهم ورفضت الأجهزة الأمنية تنفيذ قرار إطلاق سراحهم، وهذه مخالفة قانونية.
* لكن هؤلاء يبررون عودتهم إلى الحكومة بغرض التباحث لتحقيق مطالب المعتصمين؟
- بالنسبة لي، أي متردد، لم يبق في الحكومة إلا لغرض البحث عن فرصة لتحقيق مكاسب شخصية.
* هل تعني صالح المطلك وجمال الكربولي؟
- في مقدمتهم صالح المطلك. بالتأكيد، صالح المطلك ومن يحاول إقناعهم من الآخرين. أنا اليوم أحمل المطلك مسؤولية بقائه بالحكومة وتأخره عن تقديم استقالته، فإذا كان قد وصف المالكي، رئيس الوزراء العراقي، بالديكتاتورية، كما وصفه بأنه أسوأ من صدام حسين، فأنا أسأله ما الذي استجد الآن؟ لا أستطيع القول سوى أنه بالتأكيد خياره الشخصي، لكنه لن يلقى القبول في الشارع العراقي.
* هل تفكرون في إخراج المطلك من «العراقية»؟
- «القائمة العراقية» لديها آليات في قبول وخروج المتحالفين معها، وهذا الموضوع يعود لقيادتها، وأنا لا أريد أن أستبق الأمور. أنا نصحت الدكتور صالح المطلك كثيرا بألا يجازف بسمعته ويرجع إلى الحكومة، والواضح أنه لم يأخذ بهذه النصيحة ولم تؤثر فيه، من حقه أن يتخذ القرار الذي يناسبه، لكن من واجبنا أن ننصحه بأن هذا القرار ليس القرار الذي يولد رضا الشارع أو قبول المحافظات التي يمثلها المطلك، وبالتالي فإن عودته إلى الحكومة ستكلفه الكثير من الخسائر.
* هل تعتقدون أن المطلك سيخسر الشارع السني؟
- بل سيخسر الشارع العراقي بسنته وشيعته، وأعتقد أنه من الصعب على المطلك أن يتحدث عن الشارع الشيعي حتى وإن كان يتحدث عن المشروع الوطني، لأن الموجودين اليوم في العملية السياسية يتحدثون للأسف عن اصطفافات طائفية ليبقى التمثيل شيعيا وسنيا وكرديا، وأعتقد أن خسارته ستكون هائلة في الشارع السني.
* ألا تعتقدون أن خطوتكم هذه جاءت متأخرة، لا أعني الاستقالة، بل انسحاب «العراقية» من الحكومة؟
- لا.. لم تأت متأخرة، لأنه سبقتها خطوات سحب الثقة كما تعلمون قبل أشهر، وأيضا الذي أفشل موضوع سحب الثقة من الحكومة هو أحد مكونات «القائمة العراقية» الذي لا يزال يتحرك قريبا من سيناريو الرجوع إلى الحكومة. ففي المرة الماضية، المجموعة ذاتها أفشلت خطوات سحب الثقة، واليوم هناك ثلاث كتل رئيسة تقاطع الحكومة، ثم المجموعة نفسها في «العراقية» تعود إليها (الحكومة). لا أريد أن أكون قاسيا بحديثي عنهم، وكل ما أقوله هو أن هذا خيارهم الشخصي.
* دائما، كنا نسألكم في «القائمة العراقية» عن مدى تماسككم وقوة ائتلافكم، فتأتي الأجوبة من زعيم الائتلاف الدكتور إياد علاوي ومنكم بأنه ائتلاف قوي ومتماسك وموحد.. فهل ما يجري اليوم دليل تماسكها مثلا أم ضعفها؟
- «القائمة العراقية» تعرضت ومنذ فوزها بـ91 مقعدا في مجلس النواب وهي القائمة الأكبر في البرلمان العراقي وصرنا نتحدث عن أحقيتها بتشكيل الحكومة، تعرضت لسيل هائل من محاولات شراء الذمم والترهيب والتخويف ولمذكرات الاعتقال وتسييس القضاء واستخدام لغة الملفات مع أعضائها وغير ذلك، ومثل هذه الأساليب تحقق نجاحات في كل مكان تحصل فيه مثل هذه المحاولات، ولا أعتقد أنه يوجد ائتلاف متماسك اليوم في عموم العراق.
* ائتلاف «دولة القانون» متماسك جدا.
- ائتلاف «دولة القانون»، السلطة جعلته متماسكا، وإذا فقد السلطة فسيبقى هناك 3 أعضاء فقط في حزب الدعوة الإسلامي بزعامة المالكي، ومع احترامي للكثير من أعضاء «دولة القانون»، ففيها أناس شرفاء وأبناء عشائر وقادة مجتمع مدني، فإن من يجمعهم اليوم هو أنهم ضمن حزب السلطة، ولو انتكست نتائجهم في انتخابات مجالس المحافظات أو الانتخابات النيابية القادمة فسنرى الصورة مختلفة. وحالة اليوم لا يقاس عليها، لأن الناس تسير مع السلطة، ولكن بالضرورة هذا ليس الموقف المبدئي الذي تقاس عليه الأمور، فأحيانا يكون هذا الموقف كليا ضد السلطة وإلا لما كانت هناك مواقف مهمة للمعارضات في العالم.
* كيف تصفون الإجراءات ضد قيادات «العراقية» وهم من العرب السنة، مثل طارق الهاشمي وأنتم والمطلك لفترة ما، والتهديد بسحب الثقة من رئيس البرلمان أسامة النجيفي، ومحاولات اغتيال علاوي مع أنه ليس سنيا ولا طائفيا؟
- أعلق على ذلك بنقطتين؛ الأولى: قيل إن العرب السنة لم يشاركوا في العملية السياسية وعندما قرروا المشاركة صار استهدافهم واضحا وبقوة، حتى إن هناك في بغداد من لا يريد مشاركة أحد إلا بمقاساته الجاهزة، وهذا سيفشل حتما، كونه لا يستطيع أن يصمم خصمه وشريكه بطريقته الخاصة في كل أنحاء العالم. إذن، الذين شاركوا تم استهدافهم، وهذه رسالة سيئة جدا لما يسمى حكومة الشراكة الوطنية، ولا يعقل أن يكون جميع الشركاء في الحكومة من العرب السنة إرهابيين؟ ثم لماذا تم قبولهم ما دام لدى رئيس الحكومة كل هذه الملفات والتاريخ الإرهابي لهؤلاء الشركاء؟ إذن، كان هناك قرار بإزالة كل هؤلاء الشركاء، ولا أعرف سيقنع من من العرب السنة وكذلك إياد علاوي، وهو من الوطنيين المخلصين للعراق وشعبه ولا يؤمن بالطائفية، بالمشاركة. النقطة الثانية، هي أنه قيل، وحسب اتفاقية أربيل، أن هذه الحكومة هي حكومة شراكة وطنية، والشراكة في القرارات الاستراتيجية، ووضعت في اتفاقية أربيل نقاط هذه المشاركة وكلها لم تنفذ، بل قابلتها إجراءات معاكسة، إذ تم تأجيل الانتخابات بقرار من رئيس الوزراء، ولم يحصل تداول سلمي للسلطة، وتم تسييس القضاء، إذ تمت تبرئة مدحت المحمود رئيس المحكمة الاتحادية بعد 48 ساعة من إخراجه من منصبه من قبل هيئة المساءلة والعدالة، ويتم التعامل مع ملف اجتثاث «البعث» بمعايير مزدوجة، والمؤسسة العسكرية تم تسييسها وصارت تابعة لحزب معين، وأفراد الجيش يطلقون النار على المتظاهرين. كل هذا يعطي مؤشرا بأن هناك انقلابا حصل على الديمقراطية، أو ابتداء لم تكن هناك تجربة ديمقراطية، بل تمت الاستفادة من محاولة إرساء تجربة ديمقراطية لبناء نظام ديكتاتوري، وكان هذا النظام يبنى بهدوء، وعندما برز للناس تفاجأوا به. إذن، النقطة الأولى هي أن رئيس الوزراء، المالكي، وطاقمه، لا يريدون شركاء، والثانية هي أننا لم نعرف نظاما ديمقراطيا يسمح لجهة واحدة بتحقيق ما تريد وإذا اصطدمت بمعارضة تصطدم بها تذهب إلى خيار الانقلاب العسكري، ونصيحتي بأن في هذا الطريق هزيمته محققة تماما.
* الكرد وأنتم و«التيار الصدري»، عندكم أزمات مع رئيس الوزراء المالكي ومع ذلك حكومته قوية وهو يبدو قويا، كيف تفسرون ذلك؟
- دعني أقلب السؤال ليكون كالتالي: للمالكي أزمة مع الكرد ومع «العراقية» و«التيار الصدري»، وتأتي إجابتي بأن المالكي عندما يستخدم اليوم الصفة الرسمية كونه القائد العام للقوات المسلحة لتنفيذ الصفة الحزبية له كونه الأمين العام لحزب الدعوة، فالطاقم الذي حوله في اجتماع حزب الدعوة هو ذاته حوله في اجتماع مجلس الوزراء وكأن المنظومة متداخلة ببعضها، واستخدام الجيش اليوم وتسييسه وتسييس القضاء لا يجعله قويا، بل هذه علامات الوهن والضعف، فعندما لا يستطيع أن يطبق النظام الديمقراطي ويطمئن الشركاء ويطبع الأوضاع ولا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة يذهب إلى استخدام الجيش، واستخدام الجيش سيولد التالي، إما رد فعل يجر البلد إلى الهاوية وهذا ما لا يقبله أي عاقل، أو يولد قناعات لدى الآخرين بأن هذا النظام عمره قصير، فهناك دول كبرى سقطت بسبب احتمائها بالعسكر فقط. حتى تبدو قويا يجب بناء مؤسسات ديمقراطية راسخة، بحيث يذهب المالكي ويأتي غيره والدولة مستمرة بتقدمها، وهذا ما لم يحدث في العراق، فالجيش في الشارع والميليشيات إلى جانبه، والدولة تتبنى شعار «دولة القانون» وكمال الساعدي، القيادي في ائتلاف المالكي، يحضر استعراضا مسلحا لميلشيات «عصائب أهل الحق»، فأين القانون وأين الديمقراطية؟ هذه ليست مظاهر قوة، وإنما هذا خداع للظهور بالقوة.
* ما توقعاتكم للأوضاع في العراق، خاصة أن الاعتصامات تدخل شهرها الرابع؟
- توقعي هو أنه إذا لم يتم تحقيق مطالب المتظاهرين المشروعة، وإذا لم يقدم السيد المالكي حلولا حقيقية بعيدا عن التكتيك واللعب على الحلول، خاصة أن الأزمة تتوسع في ظل وجود مشاكل لرئيس الحكومة مع الأكراد والعرب السنة والشيعة، وإذا لم يبادر إلى تقديم حلول سريعة وصحيحة - فإن الحكومة سوف تسقط بالتأكيد.
* هناك من يعتقد أن الأوضاع ستبقى على ما هي عليه حتى الانتخابات التشريعية المقبلة؟
- إذا بقت الأزمة بلا حلول، فلن تبقى الحكومة حتى الانتخابات المقبلة. قد تقدم الحكومة الحلول ويجلس الشركاء مع بعضهم للتباحث، مع أن هناك أزمة ثقة حقيقية في ما بينهم، ولا أعتقد أن أحدا سوف يصدق الحكومة من دون ضمانات أو إجراءات سريعة للحلول، فالحكومة تتحدث عن مقترحات وحلول غير حقيقية وأن تدار الدولة بالوكالة، وفشلت في تعيين قائد فرقة أصيل بل كلهم بالوكالة، وفشلت في تعيين وزيري دفاع وداخلية، في ظل أوضاع أمنية مضطربة والإرهاب يقطف أرواح العراقيين في عمليات إجرامية، ومع ذلك لا تستقيل ولا يستجوب القائد العام للقوات المسلحة، بل يحتمي بالمشهد الطائفي ويعطي انطباعا بأن قضية استجوابه طائفية، وفي هذا خديعة للشعب، لأن القضية ليست طائفية، فعندما يشكو السنة من أنه وقعت عليهم مظالم فهم لا يريدون جر البلد إلى الطائفية، بل هذا توصيف للقضية، عندما يقع الظلم على الكرد أو الشيعة نقول ذلك وهذه ليست طائفية، وعلينا أن نسأل المالكي ماذا يسمي اعتقال العرب السنة وعن المخبر السري وإبعاد العرب السنة عن المناصب الأمنية، أليست هذه ممارسات طائفية من قبله؟
* إذا كنتم تصفون ممارسة الحكومة معكم بالطائفية، فكيف تصفونها مع الأكراد أو مع «التيار الصدري»؟
- قلت إن هذا جزء من المشكلة وليس كلها، المالكي يريد أن يلبسها رداء طائفيا ليقف الشارع الشيعي خلفه، والإساءات إلى العرب السنة ليست من الشيعة، بل من السلطة التي أساءت إلى الشيعة، وكل إساءة اتخذت شكلا خاصا بها، ولهذا كانت اعتراضات السيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم على ممارسات الحكومة.
* هناك اتهامات بأن خلف هذه المظاهرات أجندات خارجية وبعثية وإرهابية، وهناك دليل رفع المتظاهرين لأعلام النظام السابق.
- أريد أدلة على أي حالة حصلت، سواء كان تفجيرا إرهابيا أو إخفاقا للحكومة أو اغتيالا لشخصية، ولم تخرج الحكومة ببيان تسنده إلى «القاعدة» و«البعث»، وهذه التعليقات تنطلق بعد أي حادث مباشرة قبل التحقيق ومعرفة من المسؤول عن أي حادث، وهذا حصل منذ مظاهرات 25 فبراير (شباط) 2011 وقبلها وبعدها، والحكومة لا تكتفي بالتجاوز على المتظاهرين بتنفيذ مطالبهم المشروعة، بل تتهمهم بأنهم إرهابيون وبعثيون وبتنفيذ أجندات خارجية. لماذا لا يجلسون مع المتظاهرين وينفذون مطالبهم، وهي مظاهرات حقوق، والناس ليست سعيدة بجلوسهم في ساحات الاعتصامات بعيدا عن عوائلهم ومصالحهم. إما أن يرفع هنا شعار أو علم، فأقول لك إن حشود المتظاهرين بمئات الآلاف، وحاولت بعض الجماعات أن تندس فيها بأي طريقة وفشلت، وقناعاتنا نحن في محافظة الأنبار هي أن من رفع شعارات غريبة عن روح المطالب المشروعة هم من المندسين وليسوا من منظمي المظاهرات.
* هل هناك بعثيون في هذه المظاهرات؟
- لا أستطيع القول إن هناك بعثيين، وإنما هناك متضررون من قانون اجتثاث «البعث»؛ ضابط سني يتم إخراجه من الجيش بينما نظيره الشيعي تتم إعادته والسني يتم رفضه، وكذلك الأستاذ الجامعي والموظف الاعتيادي، عندها ليس أمامه سوى الخروج إلى الشارع ليتظاهر ويعتصم، مطالبا بحقوقه على أساس مظالم وليس على أساس حزبي أو آيديولوجي.
* هل صدر قرار اعتقال بحقكم؟
- سمعت هذا عن طريق الإعلام فقط، مع أني لا أستغرب صدور مثل هذا القرار، خاصة بعد الحكم بالإعدام غيابيا على طارق الهاشمي وهو نائب رئيس جمهورية، ومن قبل على عدنان الدليمي الذي صدر مؤخرا قرار قضائي بتبرئته من التهم الإرهابية التي وجهت إليه، والقرار الذي يقول الإعلام إنه صدر بإلقاء القبض علي بتهمة الإرهاب، بينما الأميركيون في 2008 قالوا في رسالة إلى المالكي إنه لم يثبت لهم أي علاقة لي مع الإرهاب، وهذا موجود في رسالة نشرناها على الإنترنت. السؤال للمالكي هو: إذا كان يعرف بعلاقتي بالإرهاب منذ 2008 كما يقول، فكيف يسلمني وزارة المالية عام 2010؟! ونفس السؤال يتعلق بالهاشمي، ومن خوله الاحتفاظ بالملفات الأمنية من دون أن يكشفها؟ أنا طبيب عظام واشتركت في العملية السياسية لخدمة البلد ولن أصير مطيعا للمالكي.
* هل خذلتم الهاشمي بعدم الوقوف معه؟
- كلا. الهاشمي لا يزال من قيادات «العراقية»، ونقف إلى جانبه، والشيء الذي تغير أنه لا يستطيع حضور الاجتماعات بسبب وضعه، وهناك اتصالات في ما بيننا.
* وجهت لكم أيضا تهمة تتعلق بالفساد المالي؟
- أنا من سلمت المالكي ملفا يتعلق باختفاء 7 مليارات دولار في عملية اختلاس لشخص (...) فتح حسابين في مصرفي «الرشيد» و«الرافدين»، وأعلى رصيد لديه هو 500 دولار، ولدينا صور له في ممرات وزارة المالية، واستطاع الهروب، وسلمت الملف لرئاسة الوزراء وطلبت من الأمن الوطني ملاحقته، ولم يعد لي الجواب لسنة كاملة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم إحراق الوزارة بعد كشفي لهذا الموضوع. كنت أعتقد أني سأحصل على رسالة شكر من مجلس الوزراء، لكنهم اتهموني بالفساد الإداري.
* أنتم تتهمون القضاء العراقي بأنه مسيس؟
- دعني أجب بتجرد، جزء كبير من القضاء العراقي يعمل لدى الحكومة، هناك قضاة نزيهون ومحترمون جدا، وهناك عدد من المحامين، مع احترامي لمهنة المحاماة، تابعون للحكومة، تم إدخالهم في دورات سريعة وتخرجوا قضاة، وسلموهم ملفات قضائية مهمة، وصاروا يحررون مذكرات إلقاء القبض بالطريقة التي تخدم مكتب رئيس الوزراء. وكل ما يريده ائتلاف المالكي تنفذه المحكمة الاتحادية، والأكثر من هذا أن كل ملف يدار من قبل القضاء نجده بأيدي أعضاء «دولة القانون» يعرضونه في مؤتمرات صحافية من خلال التلفزيون قبل الشروع في العمل في هذا الملف قضائيا، ولا ندري كيف حصلوا على هذه الملفات السرية؟!
* باعتقادكم، هل كان ثمن احتلال العراق يتناسب مع ما تحقق؟
- العراقيون دفعوا ثمنا هائلا من دون أن يحصلوا على شيء أو تتحقق طموحاتهم.
المصدر : جريدة الشرق الاوسط اللندنية