إنسحابات التيار الصدري ساعة الحسم............................عبدالغني علي يحيى
التي كان مقرراً ان تنتقل من المحافظات السنية إلى بغداد. ويوحي الوجه الآخر لعدم المشاركة، أنه كان قد وعد بها، تصريحاً أو تلميحاً أو ضمناً، والأغرب من ذلك والذي من شأنه ان يعمق اليأس في المتظاهرين السنة، وجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنصاره للتظاهر في اليوم عينه لنصره الحراك الشيعي في البحرين، وبتراجعه عن المشاركة تلك فقد بعث بالأحباط والخيبة في نفوس السنة الذين كانوا يراهنون على الموقف الصدري الداعم لهم في الظاهر، لجعل حراكهم عراقياً وليس محصوراً في السنة، واغلب الظن أن التحول الصدري المفاجيء كان السبب في تحول مفاجيء لدى قيادات سنية مثل هيئة علماء المسلمين ومفتي الديار العراقية وجمهرة من علماء الدين ورؤساء العشائرالسنة، نحو الغاء فكرة الزحف على بغداد، خشية من ان ينحرف الحراك عن مساره السلمي الى مسار عنفي على يد حكومة المالكي حسب المبررين للألغاء.
ان هذه ليست المرة الأولى ينسحب فيها التيارالصدري في اللحظات الاخيرة عن ما هو متفق عليه ضمناً، ، مع المكون السني، فقد سبق له قبل أسابيع تبنيه لموقف متقاطع مع موقف كل من أئتلاف (العراقية) السني والتحالف الكردستاني عندما قرر الأخيران مقاطعة وزرائهما لأجتماعات مجلس الوزراء العراقي ظانين و معتقدين ان التيار الصدري سوف يحذو حذوهما، إلا انه عكس ما كان يتوقعانه فقد خذلهما في اللحظات الأخيرة حين حضر الاجتماع. وربما كان ذلك الحضور من الأسباب التي دفعت بالتحالف الكردستاني للعودة الى الاجتماعات اللاحقة لمجلس الوزراء، بعد وقوفه على لعبة الصدريين.
يذكر ان مشروع سحب الثقة من المالكي في وقت سابق من العام الماضي، كان مطلباً للتيار الصدري على حد قول رئيس الحزب الاسلامي العراقي الدكتور اياد السامرائي، وليس العراقية والتحالف الكردستاني ولكن ما أن حلت فرصة طرحه في البرلمان العراقي، وإذا بالتيار الصدري دون الأئتلافين الآخرين يعلن عن انسحابه من المشروع، تاركاً الأخيرين يذوقان مرارة الفشل والهزيمة.
لقد زين للتيار الصدري المضي في أسلوبه هذا، لما رأى من تقبل السنة للدغ من جحر مرتين والى حد ما الكرد ايضاً ففي الاونة الاخيرة تكرر من جديد موضوع الانسحاب من الحكومة وانسحب التحالف الكردستاني والعراقية منها الا ان جميع فوجؤا بتصريح لبهاء الاعرجي المسؤول عن كتلة الاحرار الصدرية في البرلمان العراقي يوم 1-4-2013 نص على حضور وزراء التيار الصدري اجتماعات مجلس الوزراء ليوم 2-4-2013 وقد يعاود التيار الصدري الاسلوب نفسه كرة خامسة اذا رأى في السنة والكرد مشروعاً ثابتاً للاستجابة إليه علما ان الكرد وحدهم وجدوا انفسهم في النهاية المقاطعين لجلسات مجلس الوزراء وعندي ان في ذلك مغامرة غير محسوبة النتائج. ولما كانت القاعدة تصاغ من تكرار الحالة كما يقال. عليه ما على السنة بدرجة أولى والكرد بدرجة ثانية، إلا ان يمارسوا الحيطة والحذر من التضامن اللفظي الوهم للتيار الصدري معهما، والذي لا يتعدى الأقوال. والآن آن الأوان للبحث في الدواعي التي وقفت وتقف وراء هكذا سياسة من التيار الصدري، منها أولاً: بث الأحباط والخيبة في نفوس المكونين السني والكردي واضعافهما، ولقد عودتنا الاحباطات والنكسات في تأريخ الأمم على تنامي أزمة الثقة وهبوط المعنويات فتدني القيم والاخلاق والاعراف فانتقال شرائح من المكون المظلوم الى الذوبان في بوتقة المكون السائد ، ولقد حصل هذا الشيء وان كان بشكل ضيق في صفوف السنة على امتداد الاعوام الماضية عندما انتقلت رموز معروفة منه الى جانب الحكومة العراقية، لا حاجة بنا الى تسميتها، ومن الأدلة على ذلك ويا لكثرتها التصدع الذي وقع في الائتلاف السني (العراقية) وجعله في حكم الانهيار ان عاجلا او اجلا.
ثانياً: سعي المكون الحاكم للابقاء على ما يشبه شعرة معاوية بينه وبين السنة واحياناً مع الكرد وباشكال اخرى، ومن خلال العلاقة بين التيار الصدري وهذين المكونين، والتي لا اعتقد بأنها تستمر اكثر بعد تكرار انسحابات التيار الصدري المشار اليها اعلاه وفي ذلك فوائد جمة له من حيث كسبه للوقت وتثبيت دعائمه، وللحيلولة دون توجه السنة نحو نظام الأقليم أو الفيدرالية والتقسيم، وهنا لا بد وأن نقر بنجاحه في مسعاه،
ثالثاً: والعلاقة بين التيار الصدري والسنة بالشكل الذي رأيناه، هي بمثابة شعرة معاوية التي تكفل لقادة واحزاب المكون الحاكم معرفة مواقف السنة وكذلك الكرد ونقاط ضعفهم وقوتهم ، والذي يساعد على تحقيق النظام القائم في العراق لأهدافه، وهم السنة في انهم يمثلون العراق كله من غير ان يضعوا ببالهم الاصطفاف المذهبي والاثني الحاد في البلاد، فالكل ربط مصيره بمصير المكون الذي ينتمي إليه. وهنالك نقطة هامة يجب التوقف عندها ومناقشتها بعمق ومن الجوانب كافة، ألا وهي، ان التيار الصدري وكما يعرف عنه يكاد يكون من اشد التيارات في (الشيعي السياسي) ان جاز الوصف عداءً للبعث الذي يعد وما يزال احد اكبر المعبرين عن العرب السنة العراقيين ولم يخف التيار الصدري هذه الحقيقة وكان الاكثر تحمساً لأعدام صدام حسين وأركان البعث المنحل، اذا والحالة هذه لماذا نجده دون الفصائل الشيعية الأخرى الاكثر إستجابة وذلك قولاً لمطالب السنة والكرد لكنه عند حلول ساعة الحسم نجده منسحباً وينضم الى الحكومة؟
للأجابة على هذا السؤال، اشير الى رواية (المتمردون) لمؤلفه الروائي السوفيتي ( بوريس جوربا توف) التي تدور احداثها في ايام الاحتلال النازي لأراضي ومدن للاتحاد السوفيتي السابق، وفيها، يجند السوفيت جواسيس للعمل في صفوف الألمان ويختارون العناصر الاشد حقداً وكرها للألمان من الذين يصعب على الألمان شراءهم للنهوض بالمهام التجسسية! ان رواية جورباتوف تنسحب بحذا فيرها على التيار الصدري .
وفوق هذا وذاك، على الجميع من سنة وكرد، ان لاينسوا ان التيار الصدري محكوم بتوجهات وسياسات التحالف الوطني الشيعي لا يحيد عنها قيد شعرة وتجلت هذه الحقيقة بوضوح في هذه الايام والتي ترينا تضامن التيار مع حكومة المالكي حيال قضايا هامة مثل التوافق معها في معظم الامور ان لم نقول جميعها.