• Monday, 23 December 2024
logo

حرية ورفاهية المواطن ..اساس وجود الحكومات...................فوزي الاتروشي

حرية ورفاهية المواطن ..اساس وجود الحكومات...................فوزي الاتروشي
في الثقافة كما في السياسة، الصوت الواحد حين يسود يخنق ويسد منافذ التنفس ويمنع الهواء الطلق من الوصول الى الرئة. وفي النهاية يختزل الابواب في باب واحد والنوفذ في نافذة واحدة ومن ثم يتحكم بنوعية وكمية الهواء الذي نستمتع به.
وبالمقابل كلما تعددت المنافذ وطال امد انفتاحها تكون مسامات جلد الانسان والوطن قد تلقت الصحة والعافية والخير .
هكذا هي الحياة فالادب والفن والاعلام والسياقات السياسية في تعددها وتنوعها تشكل القاعدة الصلبة للديمقراطية وتمنع الحاكم في كل هذه المجالات من التحكم لوحده, ليصبح الحكم اقرب ما يكون الى نبض الشارع وليصبح القرار احد الاختيارات الراجحة من بين احتمالات عديدة, وليس كلمة مفروضة ورأياً لا يتقبل التعديل والنصح والمشورة .
ان الديمقراطية قبل ان تكون دستورا وقانوناً وتعدداً في منابر الاعلام, فانها ثقافة وتربية واحتكام للحوار وللتبادل السلمي للسلطة وقبول الآخر وتقديس حرية الرأي والتعبير وقبول حقيقة ان لا صحيح مطلق ولا خطأ مطلق, وانما الحقيقة في الاصل لها اوجه عدة وتجسيدات عديدة كلها قابلة للصحة او للبطلان بحسب الظروف واللحظة والمكان والملابسات المحيطة بهذا الحدث او تلك الظاهرة. ونحن في العراق بأمس الحاجة الى ثقافة ديمقراطية تبدأ من رياض الاطفال صعوداً الى التعليم الجامعي وما بعده, لاسيما ان شعبنا عاش ثقافة الشمولية والقمع على مدى (35) عاماً ظل فيها منطوياً على ذاته منعزلا عن العالم لا يرى في الاعلام المرئي والمسموع والمقروء الا صورة الدكتاتور ومقولات حزبه. لذلك فاننا منذ (2003) اصبحنا فجأة مرتبطين بالعالم الذي سبقنا بالتطور الاجتماعي والاقتصادي وانفتحت امامنا افاق التواصل من خلال الثورة المعلوماتية, لكن ادواتنا الفكرية للتطبع مع العالم والاندماج فيه وضمنه واستيعابه والتزود بنعمة الحضارة القافزة الى الامام بوتائر شديدة السرعة, نقول ان ادواتنا هذه كانت وما زالت فقيرة ومتهالكة لان ثقافة الماضي والبناء اللاديمقراطي الهش الذي ورثناه من النظام السابق لم يكن قابلاً لمساعدتنا على التناغم مع العالم المتحضر. والانكى من ذلك ان الفعاليات السياسية بعد التغيير لم تلجأ الى تغيير البيئة الاجتماعية والشروع ببنيان ديمقراطي على اساس دولة المواطنة والحقوق المدنية, بل انهمكت في الصراع للتسيد والفوز في الانتخابات وفق قاعدة كسب الاصوات دون حيازة برنامج اقتصادي سياسي اجتماعي مدني طويل المدى لعراق ما بعد التغيير, فلجأت هذه الاحزاب الى الطريق الاسهل والاسرع لكسب الحكم وهي الدين والطائفة والعشيرة, ومن هنا اصبح التخندق وفق هذه المعايير وليس حسب معايير صدقية برنامج الاقتصاد والحقوق والخدمات .
وفي خضم الصراع على السلطة نسي الجميع في العراق ان ثمة قضايا مطلبية تتجاوز كل هذه الهويات الصغيرة, في بلد يعتبر بامتياز وطن الايتام والارامل والعاطلين عن العمل وضحايا حروب الدكتاتورية وضحايا الارهاب المدمر الذي استشرى في المجتمع العراقي ليحصد الاخضر واليابس .
كان لهذا الواقع ان يدفع الاحزاب وكل قوى الضغط السياسي الى البرهنة انها قادرة على بناء دولة الخدمات بعد الزيادات الفلكية في ارقام الميزانيات السنوية, فكل خدمة في اي مرفق يتعلق بالمواطن هي لبنة للسلام والوئام والاستقرار, وايلاء الاهتمام الاستثنائي بالثقافة يعني تسريع الخطى لبناء الديمقراطية من تحت - وهذا هو المهم- صعوداً الى الاعلى, لكن الاهتمام السياسي بالثقافة انحسر الى الحد الادنى والولاء للطائفة او للعشيرة وللمنطقة والحزب قفز الى الامام بشكل جنوني. لذلك صار الوطن ساحة للتنافس والتصارع والتكالب على كسب المغانم, بدلاً من ان يكون واحة عامرة بالخدمات واساس الرفاهية الاجتماعية التي تقود بالضرورة الى الرخاء ومن ثم دحر الارهاب .
العراق بحاجة الى سلم اجتماعي وتعددية حقيقية في كل الوان الادب والثقافة والفن والآراء السياسية وحق انشاء المنظمات المعنية بمفاصل الحياة. وقد يقول قائل انها موجودة بوفرة ونقول نعم ولكن ينبغي ان يكون وجودها طبيعياً الآن وفي المستقبل وان يكون للفعاليات السياسية كلها قناعة بها لتحصينها وتحصين الديمقراطية .
اما احداث ثقوب يومية في جسد الديمقراطية العراقية وفي رؤية المواطن وفي رسالته الجديدة في الحياة, فانه امر يبعث على التشاؤم. لنكن جميعاً مؤمنين ان التنوع والتعددية على اساس البرامج الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية هي مفتاح تدشين الحرية الحقيقية لتصبح هي مثل الخبز اليومي الذي لا يمكن التنازل عنه. ان الدين لله والوطن للجميع والطائفة قناعات فكرية محترمة, اما خدمة المواطن ورفاهية الوطن وسيادة القانون والمساواة بين الرجل والمرآة وصيانة المال العام فهي اساس واصل وجود الحكومات .
Top