• Monday, 23 December 2024
logo

أوجلان ينهي أطول مرحلة من الصراع المسلح مع تركيا

أوجلان ينهي أطول مرحلة من الصراع المسلح مع تركيا
أحمــد قاســم
كان الشعبين الكوردي والتركي ينتظران مع وقفة النفس, ماذا ستتضمن رسالة أوجلان بمناسبة عيد نوروز التي ستكون بمثابة خارطة طريق لمرحلة جديدة من العمل لحل القضية الكوردية وفقاً للمعطيات الدولية والإقليمية, واستناداً إلى الحوار الذي جرى حزب العدالة والتنمية مع أوجلان وحزبه في أوقات سابقة وراء ستار وخلف جدران حفاظاً على سيروريته بشكل لا يتأثر باي شكل من الأشكال بعثرات وموانع قد تخلقها القوى المتضررة من إنجاح ذلك الحوار. واستنتاجاً لذلك كانت رسالة عبدالله أوجلان رئيس حزب العمال الكوردستاني من معتقله بمثابة قرار يفتح المجال امام مرحلة جديدة من النضال السياسي وإغلاق كل الأبواب أمام العودة الى الصراع المسلح بعد الإتفاق الذي اعتمد على اسسه من قبل الطرفين ( الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان والحزب العمال الكوردستاني برئاسة عبدالله أوجلان ) حيث أن التفاصيل لم يعلن عنها حتى الآن. لكن على ما يبدو أن الخطوط العريضة تكمن في إنسحاب مسلحي حزب العمال الكوردستاني من تركيا وإقرار إيقاف العمل المسلح نهائياً للبدء بمرحلة جديدة من الحوار للوصول إلى الحل السلمي وانهاء النزاع بين الطرفين.
كانت الرسالة واضحة وصريحة في محتواها الفكري عندما تؤكد على " إن الشعب الذي يشتعل في طيات قلبه وهج نوروز, بات لا يريد غير السلام الشامل..." إن السلام الشامل الذي يعنيه عبدالله أوجلان هو السلام الذي يؤمن به الشعبين التركي والكوردي معاً ليقطف ثمار هذا السلام كل مكونات الشعب التركي ومن جميع إنتماءاتها وتلاوينها. السلام الشامل لا يعني إنهاء صراع على حساب طرف دون الآخر, أي يجب ان يكون السلام متوازناً بين الطرفين, على أن هناك شعب كوردي يعيش على أرضه التاريخية , حرم من كل حقوقه في العقود السابقة, يجب أن يمارس حقوقه القومية إلى جانب الشعب التركي الذي استأثر بالحكم طوال تلك العقود ما يقارب إلى تسعون عاماً على حساب بؤس وشقاء وحرمان الكورد واضطهاده إضطهاداً لايقبله الوجدان الإنساني في هذا القرن من تاريخ البشرية. سلاماً ينور أمام الشعبين مستقبل تركيا نحو الرقي واحترام حقوق الإنسان.. نحو تركيا بلداً لكل مكونات الشعب التركي.. نحو الديمقراطية الكبرى التي يسعى اليه الشعب الكوردي طوال حياته النضالية. لأنه, أي الشعب الكوردي أكد وآمن بأن حقوق الكورد لايمكن الحفاظ عليها إلا تحت خيمة الديمقراطية الكبرى في الحياة السياسية لبلدانهم. حيث أن "الوقت ليس وقت الخلافات والمشاحنات , بل وقت الأخوة والتعاضد" وكذلك نحن الآن في " مرحلة جديدة يجب أن تتكلم فيها السياسة بدلاً من البنادق.." كما جاء في الرسالة. إنها دلالات واضحة لمرحلة جديدة يجب أن تبدأ لخيرة الشعبين.
إن إعلان أوجلان في رسالته التاريخية, وبهذه المناسبة التي لها مآثر عظيمة في وجدان الكورد, في حد ذاته تأسيس لمرحلة جديدة وتطور تاريخي لدفع الأحداث باتجاه حل المشكلة حلاً جذرياً, ليترك تداعيات الحل ايجابياته إقليمياً على المسألة الكوردية, وتجنيب تركيا مخاطر النيران المشتعلة في أسوأ الأحوال في حال استمرار الوضع على ما هو عليه.. وأن هذا الإعلان هو الخطوة الأولى من سلسلة الخطوات التي يجب متابعتها والسير بها الى النهاية, وهي حلقات متكاملة ومترابطة عضوياً, إن فقدنا إحداها ستتتالى الأخريات لتفقد محتواها الإستراتيجي التي بنيت على أساسها أرضية الاتفاق. حيث كانت أمام تهيئة هذه الأرضية عقبات كثيرة, وأهمها كانت عملية اغتيال لثلاثة كوادرمتقدمة من كوادر حزب العمال الكوردستاني في فرنسا, تلازماً مع تسريب وثائق المفاوضات, وكذلك تزامناً مع تفجيرات وهجمات هنا وهناك, بغية إفشال المفاوضات وضرب العملية برمتها. أما التحديات التي تقف أمام إكمال الإتفاق وإنجاحه, هي تجاوز دائرة المتضررين من الحل. أعتقد أن الطرفين يعانيان من تلك الدوائر. هناك الجانب الكوردي الذي يعاني داخلياً من أولئك الذين يتضررون من إنجاح العملية وهم أصحاب المصالح الذاتية من المقاتلين في الحزب العمال الكوردستاني, وكذلك السياسيين الذين يستفيدون من تجارة الأموال والسلاح على حساب استمرارية الأزمة... وفي الجانب الآخر, أي الدولة التركية هي عديدة دوائر المتضررين, الجيش الذي يستثمر الأموال من خلال استمرارية الحرب, والمعارضة التركية التي تتمثل بالحزبين المعارضين الرئيسيين, هما الحزب الجمهوري والحزب القومي الذان يحاولان جاهداً إفشال عملية السلام التي سيستثمرها رجب طيب أردوغان لمصلحة حزبه مستقبلاً والسير به قدماً لتنفيذ مشروعه المستقبلي, وذلك يتمثل في " دفع تركيا لتكون قوة دولية بحلول 2023 كما صرح بها اردوغان في كثير من المناسبات , وكذلك فتح الطريق أمام حزب العدالة والتنمية للمضي قدماً في السلطة بدفع قوي من هذا الإتفاق."
لايخفى على أحد, أن تطور الأحداث في سوريا لعب دوراً مهماً في إسراع عملية التفاوض بين الحكومة التركية والحزب العمال الكوردستاني, حيث كان من أهم الأسباب التي دفعت بتركيا السير نحو الحل السلمي مع الكورد في تركياً, تحسباً من أن استمرار الحالة لا تخدم مصلحة تركيا, لا بل قد تدفع بتركيا نحو الإنزلاق إلى الهاوية مؤخراً مع تفاقم الأوضاع في سوريا أكثر من ذلك.. وقد نرى في النهاية سوريا مقسمة إلى كانتونات قومية وطائفية, عندها ستلقي بظلالها على الحالة التركية التي تشبه الحالة السورية في تنوعها المجتمعي وتعدد مكوناتها التي يتكون منها الشعب التركي. لذلك كانت مخاوف أردوغان في محلها, عليه قطع الطريق أمام أية فتنة داخلية التي يعمل عليها النظام السوري وبالتنسيق مع إيران وروسيا حسب معلومات إستخباراتية تركية. حيث أدرك أردوغان أن أهم حلقات التي يعمل عليها النظام السوري هي حلقة الصراع الكوردي التركي وأقواها, وهي التي تهدد وحدة تركيا أرضاً وشعباً إن تمت استثمارها سورياً, إيرانياً, روسياً وبالتعاون مع منظمات إقليمية وداخلية تركية, أهمها العلوية منها.
كان من حق أردوغان أن يكون جاداً في حواره مع أوجلان لإنهاء الصراع المسلح والبدء بعملية سياسية للوصول إلى حلٍ يرضي الشعبين بعيداً عن المؤثرات الخارجية.. وكذلك من حق أوجلان أن يعلن من طرفه إنهاء مرحلة الثورة المسلحة, لتبدأ الثورة السياسية تخوفاً من تسوية على حساب الكورد بسبب الوضع في سوريا, كانت لتلك الأسباب السالفة الذكر دوراً في دفع الطرفين إلى السير بهذه المصالحة التاريخية. حيث أن المعطيات الإقليمية ستكون بمثابة نتيجة لهذه المصالحة وليست أسباباً, وبمعنى الآخر, إن تم الإتفاق على ما هو مرسوم, سيلقي بظلاله إيجابياً, وسيتلافى التداعيات السلبية لمى هو أسوأ من سيناريوهات في سوريا بغض النظر عن ما هيتها.
اعتقد أن هذه الرسالة وتنفيذ محتواها ستدفع بالكورد نحو ضرورة إندماجه في بلدانهم باكثر قوة في ظل نظام ديمقراطي تتساوى فيه الشعب بجميع مكوناته للوصول الى الديمقراطية الكبرى التي تزيل الفوارق بين الإنتماءات العرقية والمذهبية والدينية, لبناء دولة مدنية أكثر تقدماً لخدمة الإنسان.
Top