التفتيش العام ... وظيفة تستحق الالغاء.................فوزي الاتروشي
هذا هو الحال في الدول الاوربية في كل البقاع المتحضرة في العالم, وكذلك في العراق منذ التأسيس عام 1921 وطوال الحكم الملكي .
لكن لأن كل شيء تدهور وبقيت المظاهر واغلب المواقع الادارية في العراق سواء الصانعة للقرار او الادنى منها بقيت بشكلياتها وغاب جوهرها ومعناها ومقصدها, لذلك نجد عربة الفساد تسير بسرعة قصوى الى الامام واليات المكافحة والردع ووقف الهدر معطلة بل انها احيانا كثيرة مشرعنة بقوة القانون .
ويعزى ذلك الى ان دوائر التفتيش العام لم تعد فاعلة واصبحت جزءاً من الترهل الاداري والمناخ العام السائد في مفاصل ادارة الدولة, وغدت عاملاً لاستنزاف موارد الدولة من خلال الصرفيات العبثية والعدد الكبير من الموظفين القابعين بدون عمل في هذه الدوائر, اضافة الى لجوء اغلب المفتشين العامين الى ممارسة مهام ادارية واعلامية وترك المهمة الاساسية وهي المراجعة الدقيقة للحسابات وضبط مواقع الفساد الاداري والمالي, فالمفتش لا يجوز ان يتحول في الوزارات الى نجم اعلامي بقدر ماعليه ان يظل خلف الستار يدير أهم مفصل وهو مكافحة الفساد وصيانة المال العام المقدس من الهدر.
لذلك فان السؤال الملح هنا هو ما فائدة التفتيش العام اذا تحول الى آليّه للتغطية على الفساد عن طريق الموالاة والمحاباة والسكوت وعدم معاقبة المسيء. أليس الاجدر الاكتفاء بدائرة الرقابة المالية التي تعتبر وما زالت من اعرق مؤسسات الدولة العراقية وتصدر سنويا تقارير مالية رقابية ذات ثقة ومصداقية عالية.
ان تقارير الرقابة المالية ذات كفاءة في الرصد والتحليل والتدقيق وتأشير كل مواقع الخلل دون خوف او وجل ودون الخضوع لاي عامل ضغط, فهذه التقارير ستكون هي المؤشر والموثق والمؤرخ لحال الدولة العراقية في هذه الفترة.
ولا يسعني هنا الا توجيه الشكر لهذا المفصل الاداري الصلب والمقاوم والقادر على العمل باحترافية ومهنية عالية, وبغض النظر فيما اذا كانت قراراته وتوجيهاته تنفذ ام لا, فالمهم ان الرقابة المالية تعطي سنويا صورة واضحة وشفافة وفي منتهى الدقة لحال المال العام. وانا على يقين ان صاحب القرار السياسي في العراق اذا طبق ما يرد في هذه التقارير فان حال الدولة العراقية سيتطور سنويا باتجاه الافضل والاحسن .
اما دوائر التفتيش العام فانها امام خيارين اما الالتحاق والانضمام الى نفس اليآت عمل دائرة الرقابة المالية او اعلان عجزها عن اداء مهامها لكي لا تظل تستنزف موارد الدولة وينطبق عليها قول الشاعر (انها كالطبل يكبر وهو خالِ اجوف ).