محمد جعفر : في ذكرى انتفاضة آزار 1991.
الانتفاضة الشعبية التي عمت جنوب العراق وشماله بُعيد حرب الخليج مباشرة فقد ضمت الانتفاضة أربع عشرة محافظة من أصل ثماني عشرة محافظة عراقية أي ما يقارب 80% من الشعب العراقي الذين انتفضوا بوجه صدام ونظامه القمعي , كانت الانتفاضة شعبية 100% والتي ضمت العرب والأكراد والشيعة وبعض السنة وأيضا اليساريين والليبراليين فكانت بحق انتفاضة عارمة شملت البلد كله .
وهنا أتي إلى الأهم في حديثي هذا:
الطبيعة الديموغرافية في العراق تشبه إلى حد بعيد طبيعة سوريا من حيث السكان والطوائف والأعراق والقوميات ففي الشمال يوجد الاكراد ونسبة قليلة من التركمان والاشوريين والسريان وغيرهم اما الوسط والجنوب هناك السنة وبعض الدروز في اقصى الجنوب وفي الساحل هنالك العلوييون والشيعة والإسماعيليون , والاهم من هذا كله النظام الحاكم في سويا والعراق "النظام البعثي" رغم بعض الاختلافات التي لا تخفى على أحد.
إلا أن أسلوب الحكم وإدارة البلاد هو نفسه في الشمولية والتفرد بالقرار والقمع والقتل والإقصاء , أما سياسة التمييز والتفرقة وخلق الطائفية التي اتبعها النظام الصدامي هو نفسه الذي أُتبع في سوريا في عهد الاسد الاب والابن ولكن مع بعض الفروقات البسيطة في الطائفة التي تحكم أو بالأحرى الاختبائهم وراء المذهب ففي العراق كان البعث سنيا ولا ينتمي الى السنة وأما في سوريا فهو علوي ولا يبالى بهم اي أن العقلية واحدة ولو تغيرت الخلفية.
الاسلوب الذي أتبعه صدام في إدارة البلاد كان بشكله البسيط هو ان الكل سواسية كأسنان المشط تحت الحذاء العسكري فلا تمييز لأحد على أحد وكل من تطاول على النظام وجب قتله فلا تحميه المذهبية ولا يحميه النسب , وكذالك نظام الاسد فالعلوي المعارض حكمه مضاعف اولا لأنه معارض وثانيا لأنه علوي!
أما الاهم في هذا الحديث أن نأتي الى أوجه الشبه والاختلاف بين الانتفاضة الشعبانية والثورة السورية ونقاط التقاطع والأخطاء التي ادت الى فشل الانتفاضة في الجنوب وتحقيق بعض المكاسب في الشمال ,لم تدم الانتفاضة اكثر من شهر إلا ان العواقب استمرت لسنوات كثيرة , فبعد أربعة عشر يوماً من الانتفاضة في الجنوب قتل صدام ما يزيد عن 300ألف إنسان اي يمعدل 20ألف شخص في اليوم وذالك بالطائرات والصواريخ والراجمات التي واجهات والمظاهرات والاعتصامات , وبعد عدة ايام من بداية الانتفاضة ظهرت جماعات شعبية مقاتلة في الجنوب لتقف في وجه القتل والتدمير أما في الشمال الكردي فكانت الأحزاب الكردية تملك البشمركة والقوات الردع الخاصة بها والأكثر تنظيما مقارنة بالجماعات الجنوبية الاقل تنظيماً , التي سرعان ما ابيدت من قبل القوات العراقية .
أما في المناطق الكردية فقد سيطر الاكراد على مجمل المناطق والمدن والمحافظات بزمن قصير جداً في السليمانية وأربيل وكركوك و دهوك وغيرها مما ادى ذالك إلى قيام النظام الصدامي بضرب المنطقة بيد من الحديد وطالب بإخلاء المدن فبأقل من 24 ساعة تم تشريد أكثر من مليون كردي إلى الحدود الإيرانية والتركية , وقتل الآلاف في أيام وكل هذه الامور كانت تحدث بمرأى ومسمع من المجتمع الدولى الذي ظل صامتا .
فدور المجتمع الدولي لم يتغير كثير إذا ما قارنا اليوم بالأمس فهو لا زال يلعب نفس الدور في سوريا مع القليل من الاختلافات التى تتعلق بالمدة الطويلة للثورة السورية مقارنة بانتفاضة آزار ووجود الاعلام وبكثافة في الحالة السورية مقارنة بالحالة العراقية .
إن من أهم الاسباب التي أدت إلى الفشل الانتفاضة في الجنوب هو الدهاء الذي استخدمه النظام في العراق وذالك بربط الانتفاضة بالطائفية الامر الذي ادى إلى كسب حلفاء داخليين وخارجيين والأمر الثاني هو غياب التنظيم عن الجماعات المسلحة الشعبية وغياب القيادة التي تخطط وتدير الجبهات وأيضا غياب الاعلام الحر والمستقل عن الاحداث الامر الذي ابعد المسألة عن العالم , والتشابه بين هذا النقاط والثورة السورية يكمن في غياب القيادة الحقيقية التي ترتبط بالأرض و الاحداث وأيضا قدرة النظام في سوريا على الكذب والتبرير ولصق التهم بالثورة على أنها طائفية وتمارس الارهاب والقتل على أساس طائفي الامر الذي أدى الى غياب الدعم الدولى الحقيقي للثورة خاصة بوجود ثلة قليلة لا تنتمي الى البلد ولا إلى أهداف الثورة .
والأمر الأخر الأهم وهو غياب الدور الفاعل للأكراد نتيجة ضعف في قرارات المعارضة السياسية التي ترتبط ببعض الاجندة الخارجية مما أدت إلى الاطالة من عمر الثورة وتقليل الفرص في النجاح .
فهل ستعتبر المعارضة من دروس التاريخ أو هل سيتعلم الاكراد اهمية التنظيم من أجل الحصول على الحقوق وهل سيعرف الائتلاف أن القرارات التي ستؤدي الى اسقاط النظام وبناء دولة مدنية دبموقراطية هي التي تكون بعيداً عن أجندة دول الجوار ؟
محمد جعفر