• Monday, 23 December 2024
logo

لولو خان : مصطفى بارزاني انطولوجيا امة.. ماهية امة

لولو خان : مصطفى بارزاني انطولوجيا امة.. ماهية امة
لكورد يمتلكون مقومات الامة انتربولوجيا مع توزعهم على رقعة جغرافية تتمايز جيبوبولوتيكيا، لكنهم لم يستطيعوا ان يوظفوا تلك الركيزتين استراتيجياً لان عوامل ذاتية وموضوعية حالت دون تحقيق ذاك الهدف السامي المأمول. فاغتنم جيرانهم المتربصين بفترات الانزياح التاريخي الفرصة

فتسلطوا عليهم وبادروهم بزرع الشقاقات فاشاعوا فيهم وسواس الذهنية الفردية وسلطان التفكير الوحداني اللذين قاداهم الى التنابذ وروح الفرقة. لنتوقف عند المحطات التالية:

- سقطت ميديا سياسيا، لكن روح الاستقلال القومي ظلت قابعة في اعماق الشخصية الكوردية، وظل الخيال السياسي يرفرف فوق سماء الفكر الكوردي كلما لاحت فرصة سانحة. وهكذا توالت دول التاريخ والازمان والعهود، وظل الكورد ينافحون الفرقة وينازعون في سبيل الوحدة القومية والدولة الوطنية. وجل ما ابدعوه في ثنايا ذاك النضال المرير دولا اسلامية عائمة لا حدود لها وامارات عشائرية مناطقية منغلقة تعيش التخلفين العرقي المجتمعي والحضاري الدولي حيث قادانا الى البؤسين السياسي والاقتصادي.
- برزت التكية البارزانية في منتصف القرن التاسع عشر كمشكاة هدي قومي بعدما ادرك شيوخها ان خلق الانسان الكوردي بنيوياً يأتي قبل اعداده العسكري الذي اثبت فشله جراء الثورات المتلاحقة. فلذلك مزجوا بين رسالتين مؤدلجتين بعناية فائقة وهما (العقيدة الدينية في خدمة السيكولوجيا الجماعية) و(العقيدة القومية في خدمة السوسيولوجيا الاجتماعية). ورغم العقبات المتراكمة المجتمعية والعثرات النضالية بقيت رسالتا الشيوخ تشعان نوراً بين اوساط المجتمع الكوردي حتى اصبحت رسالة واحدة على يد الشهيد عبدالسلام البارزاني الثاني. لكن القدر عاجله واستمر خلفه في النهج والمنهج حتى لمع نجم قائد عسكري بارز في اربعينيات القرن العشرين. انه مصطفى بارزاني عندما صعد منصة التاريخ في مهاباد مقارعا الطغيان الشاهنشاهي مؤسساً مع قاضي محمد جمهورية كوردستان الديمقراطية. الا ان المؤامرة كانت اكبر من الفعل الكوردي فانهارت الجمهورية ولكن الحلم الكوردي ظل استراتيجيا قومية في ذهنية مصطفى بارزاني، لم يستسلم للقدر التاريخي كغيره حاملا معه الحلم الى ما وراء اراس. وعندما حانت الفرصة عاد مشعلاً ثورة ايلول التحررية بعد ان ارسى استراتيجيا كوردية ميدانية لا تؤمن بالايديولوجية المقولبة، بل تقوم على ثلاثة تأسيسات معرفية استخلصها الرجل من نضالات قومه الكورد وتجربته الثورية الطويلة وهي (الكورد امة متمايزة) و(كوردستان جغرافية واحدة) و(الدولة الكوردية استحقاق تاريخي). واعطى لتلك التأسيسات ثلاثة ابعاد سياسية، هي (ترسيخ روح الكوردايتي القائمة على روح التعاون والتضحية والمصلحة القومية) وقد تفضل قائلا: "اذا لم يكن هناك تعاون وتضحية بيننا فلن نستطيع خدمة شعبنا، وعلى كل كوردي ان يجعل مصلحة اخيه مصلحته وضرر اخيه ضرره." و(النضال القومي الكوردي ضد النظام العربي الشوفيني) وقد تفضل قائلا: "الكورد ليسوا عبيداً لاحد ونضالنا هو من اجل حرية شعبنا." واما الثالث (التعريف بالقضية الكوردية وربطها بالقضايا المتقاطعة معها اقليميا ودوليا)، وقد تفضل قائلا: "اذا كان للعرب والترك والفرس دول فيحق للكورد ان تكون لهم دولة، وعلى الدول ذات القرار التي تدعي مناصرة حقوق الشعوب المضطهدة ان تتفهم قضيتنا لانها قضية شعب مظلوم، ولكن لن يستكين للامر الواقع المفروض عليه منذ امد بعيد."
- هكذا مضى الرجل يبلور تلك التأسيسات والابعاد حتى وصل الى رسم الاجندة العملية لها فوضع لها الاهداف الاستراتيجية المنشودة، مرفودة بالتكتيك البراغماتي المرحلي وهي (الكوردايتي ثابت لا يقبل جدل الاخوة الاعداء ونقائضهم الدينية التي اثبتت عهرها التاريخي) و(تمتين اواصر اللحمة الكوردستانية بتجميع كل الطاقات والامكانيات وزجها في اتون معركة الاستقلال القومي) واخيراً (بث روح الجندية العسكرية القائمة على الفداء والتضحية بين الشباب الكوردستاني).
- لقد خلق الرجل انطولوجيا كوردية متماهية مع ماهية سيرورة الحدث التاريخي وصيرورة الفعل السياسي بل اصبح هو الانطولوجيا الكوردية بكل تفرعاتها وتشعباتها مستحوذا على الشخصية الكوردية بكاريزماه الثورية حتى اصبح الكوردي في كل مكان لا يعرف الا اذا ذكر اسم (بارزاني) مع اسمه وصفا وفخرا يعانقان شموخ التباهي الشخصي والتماهي الثوري القومي.
- لم يكن مصطفى بارزاني حالما يعيش فانتازيا تاريخية، بل كان قائدا ميدانيا يعايش كل تضاريس جغرافيا كوردستان حيث لا يعرف المهادنة مع العدو ولا يستكين لعائق او عقبة ولا يعطي الفرصة لاية سانحة يأس رغم التحديات الهائلة. بل كان يثير في النفوس نوازع الثورة الملتهبة ويشعل فيها دوافع العمل الدؤوب بلا هوادة. وغداة معارك (بهدينان) ايام ثورة ايلول المجيدة، قصفت طائرات البعث العفلقي احدى القرى الكوردية وكان من بين الضحايا طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره فوقف عليه البيشمركة مصطفى، وقد بدت عليه علامات الحزن الشديد فتقدمت اليه امرأة تقول له: "از كوري تو خما نخوه....: لا تحزن فدتك روحي سننجب نحن النساء للثورة امثاله، اما انت وبيشمركتك فامضوا لمقارعة العدو". فادرك البارزاني حينئذ انه صنع امة لا تقهر.
- وخلال سنوات الثورة المريرة حيث الضحايا والخراب، كانت شخصية البارزاني تزداد يوما بعد يوم صلابة وعنفوانا وفي احدى الليالي وفي خلوة من خلواته مع احد مساعديه سأله صديقه الصدوق: "كيف امتلكت هذه الارادة الفولاذية؟" فقال له مصطفى بارزاني: "لقد تعلمت من تاريخ قومي دروساً استرشد بها في مسيرتي الثورية، لقد تعلمت من خطيئة (استياغ الميدي) الا اركن الى الدعة والوداعة في اغفال خطط العدو والاستهانة بالصغائر, وتعلمت من صنائع صلاح الدين الايوبي ملازمة الحزم ورباطة الجأش في الموقف العسكري المشتبك وحسم الامر ميدانياً دون العودة الى كلام المنظرين واحكام فقهاء الثقافة, وتجنبت خطيئة بدرخان البوتاني وهي الا ارضخ لحكم ديني في امر دنيوي ليس في محله فأصاب حينئذ في مقتل."
- اعلن الرجل الرجل، ثورته في كل ارجاء كوردستان وخاض مع بيشمركته اشرس معارك التحرير وسطر انتصارات باهرة في التاريخ الكوردي بعد ان حرر الكثير من بقاع كوردستان وجعل العدو يرضخ دائماً للمفاوضات وكذلك لارادته التي تعبر عن الحق الكوردي الذي طالما كان يردده ليل نهار محققا اكبر انتصار سياسي في العصر الحديث وذلك بابرام اتفاقية 11 اذار التاريخية التي ضمنت للكورد الحق الدستوري لاول مرة في الدولة العصرية الحديثة.
هكذا اصبح البارزاني الخالد ملهماً لكل ذي بصيرة وقدوة لكل ذي عزيمة ورمزاً قومياً جمع في شخصه وشخصيته كل الخصائص والشمائل المحمودة مرسخاً في الشخصية الكوردية كل عوامل المقاومة والمثابرة وعدم الاستكانة لاي عائق مهما كانت الظروف قاهرة حتى عرف في كل اصقاع العالم بـ(ناسنامه يا كورد: هوية الكورد).
Top