احمد القبانجي... الاعتقال المستحيل.................فوزي الاتروشي - وكيل وزارة الثقافة
المطلوب من المحكوم قبول الاملاءات السياسية والدينية بدون مناقشة لأن مجرد طرح الأسئلة يرعب الحاكم ، والحل أما السكوت والإذعان والتصفيق والتطبيل للمستبد أو التمرد والتفكير بشكل مغاير ويكون القمع زاده في الحياة.
إعتقال المفكر والعالم المجدد أحمد القبانجي في ايران ليست حالة استثنائية انماهي القاعدة في تاريخنا ومع الاسف حتى في حاضرنا. مسلسل قتل المفكرين لا ينتهي لان ازمة الحاكم مع نفسه ومع شعبه ومع التاريخ والفكر المستنير ومع الكاتب والفنان والفيلسوف والمبدع لا تنتهي. والمفارقة ان الحاكم لا يتعلم الدرس من التاريخ ولا يأخذ العبرة ولا يتساءل مرة واحدة لماذا بقي كل المعذبين المقموعين من رواد الفكر والثقافة في الذاكرة، في حين خرج المستبدون من التاريخ والحاضر والمستقبل وهم لا يحملون الا سقط المتاع والسمعة الملطخة بالدماء والذكر السيئ كلما مرَ المرء على اسمائهم في كتاب أو حكاية.
إن قصة آلام وعذاب ودموع المفكرين انما هي قصة شعوبنا مع ازمة الحرية والابداع. واحمد القبانجي في كتبه واحاديثه ومؤلفاته ليس الا فصلا من هذه القصة الطويلة. وحين ندافع عنه فإنما ندافع عن قيم الحق والفضيلة والبحث العلمي والفكر النير الذي يستحيل اليوم قمعه لأن فضاءه لامتناهي مقابل فضاء الحاكم الذي يضيق عليه حتى يكاد يختنق فعلاً.
على الذين اعتقلوا احمد القبانجي ان يبحثوا عن ذريعة لإعتقاله ولن يجدوا حتماً.
فالحجة انه يفكر ويبدع وينطلق نحو المستقبل وهم محنطون في شرنقة الماضي، والحجة انه يبحث عن منظومة الحريات وحقوق الانسان والعدل للحاق بركب الحضارة، وهم متكلسون في قوقعة الذات لا يتنفسون هواء العالم الطلق.هو يفسر النصوص الدينية وفق منطق العصر وحاجات الانسان وتطلعاته الحقوقية والتنموية، وهم لا يخرجون عن مخطوطات اكل الدهر عليها وشرب وعلاها غبار التقادم فاصبحت متخلفة عن حاضر الانسان. إذن فالذريعة الوحيدة لإعتقاله انه يفكر خارج السرب ويراكم العلم والمعرفة، والحقيقة إن كل الذين جرى قمعهم في تاريخنا الدموي عليهم نفس التهمة.
إن احمد القبانجي مواطن عراقي وعالم في فقه واصول الدين وقد قدم طوال حياته قراءة واقعية ومنطقية محببة للدين ووظيفته القيمة في الحيــاة، فقد البس القبانجي وعدد من المفكرين الاخرين الدين ثوبا جميلاً يليق به، وهذا ما يغيض وعاظ السلاطين وكل الذين يسخرون الخطاب الالهي لمآربهم الدنيوية.
أنه إذن الأعتقال المستحيل فالفكر والكلمة مثل الضوء يتسرب مهما تكالبت عليه قوى العتمة والظلام فإذ يرقد القبانجي في السجن جسداً فكتبه وآراءه وأفكاره تملأ فضاء الانسانية.