: دراسات في الفكر القومي الكردستاني ( الحلقة 20 ) - حقائق التاريخ الأربع.. والخيار الوحيد
حقــائق التــاريخ الأربع:
1 - الصراع على الجغرافيا: يقول موريس دوفرجيه:" الجغرافيا هي بنت التاريخ بمقدار ما هي أمّه" (موريس دوفرجيه: علم اجتماع السياسة، ص 56)، هذه هي الحقيقة، وحينما تُنتهَك الجغرافيا تنتهي الأمم، ومنذ فجر التاريخ يدور الصراع على الجغرافيا بين البشر، وما زال الصراع عليها قائماً، وسيصبح أكثر حدّة نتيجةً لتكاثر السكان، وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير الحروب المشتعلة الآن، ومعرفة سرّ سباق القوى الكبرى للسيطرة على القطب الشمالي والجنوبي، وعلى الفضاء والوصول إلى الكواكب.
2 - امتلاك القوة الرادعة/المرعبة: الحصول على الجغرافيا تتطلب نوعين من القوة: القوة الرادعة للحفاظ على الجغرافيا، والقوة المرعبة لاحتلالها، وإن الأمم التي امتلكت القوة كانت الأقدر على الدفاع عن وجودها وعلى فرض إرادتها. وقد نبّه كبار المفكرين والقادة إلى أهمية امتلاك القوة، قال مكياڤللي: " أثبتت الأيام أن الأنبياء المسلَّحين قد احتلّوا وانتصروا، بينما فشل الأنبياء غير المسلّحين" (نيقولا مكياڤللي: الأمير، ص 82)، ولعل نابليون هو القائل: "حيثما تصل نيران مدافعك تصل سلطتك"، ويرى الفيلسوف الألماني هيغل "أن الحق يجب أن يُدعَم بالقوة، بل إن الحق هو القوة" (هربرت فيشر: تاريخ أوربا في العصر الحديث، ص 203)، وأكد الفيلسوف الألماني نيتشه أن المسألة هي "مسألة قوة، لا مسألة حق" (نيتشه: إنسان مفرط في إنسانيته، 1/196).
3 – وحدة المرجعية: لا يمكن للأمة أن تكون قوية ما لم تكن موحَّدة تحت راية مرجعية (قيادة) واحدة، إن شعباً منقسماً في الرؤى والأهداف والمواقف والمشاريع لا يمكن أن يكون قوياً، ولا يمكن أن يكون قادراً على الدفاع عن وجوده ووطنه، والسؤال هو: كيف تتحقق وحدة المرجعية (القيادة)؟ النخب هم صانعو المرجعية، وهم الذين يرسّخون في الشعب الثقافة القومية، ويعمّمون الوعي القومي المشترك، ويستلهمون روح الأمة، فيصوغون الرؤية القومية المشتركة والمشروع القومي المشترك، ويحوّلون الشعب إلى جسد ثقافي وسياسي واقتصادي وعسكري واحد، هذا ما فعله النبي محمد وصحابته بقبائل العرب في أوائل القرن (7 م)، وفعله جنگيزخان بقبائل المغول والتتار في أوائل القرن (13 م)، وفعله جورج واشنطن ورفاقه بأمريكا في القرن (18 م).
4 - تأسيس الدولة: الدولة ليست مؤسسات فقط، إنها (الوعي الجمعي) للأمة، وإنها (العقل الجمعي) المُمَأسس، وهي الممثل الأول لـ(الأنا القومية/الوطنية) ولـ(الإرادة القومية/الوطنية)، وهي الدرع الحامية لوجود الأمة وهويتها، وكل شعب لم ينجز (الدولة) يبقى ألعوبة في أيدي قوى القهر إقليمياً وعالمياً، وما من مفكر عُني بقضايا الأمم إلا وضع الدولة في مقدمة اهتماماته، بدءاً بكونفوشيوس (ت 479 ق.م) في نصائحه لساسة الصين، ومروراً بأفلاطون (ت 347 ق.م) في كتابه (الجمهورية)، وانتهاء بالألماني هيغل (1831 م) الذي رأى أن الدولة "إلهٌ يمشي على الأرض" (جيوفري روبرتس: القاموس الحديث للتحليل السياسي، ص 340).
الخيـار الوحــيد:
لا يخفى أن مسيرة أمتنا منذ 25 قرناً- قياساً بالأمم المجاورة- مسيرة غريبة، ولا يخفى أيضاً أن مشكلتنا الأساسية ليست الحصول على (حقوق المواطنة) في دول الاحتلال وتحت سلطة الاحتلال، إن مشكلتنا الأساسية هي الدفاع عن هويتنا وعن وجودنا كأمة، إنها مسألة أن نكون أو لا نكون، وبتعبير آخر: إنها مسألة الدفاع عن إنسانيتنا وعن حريتنا القومية، وقد قال جان جاك روسّو: " إن التخلّي عن الحرية هو بمثابة التخلي عن أن تكون إنساناً" (جلين تيندر: الفكر السياسي ص 162).
ولا خيار آخر أمامنا سوى الدفاع عن وجودنا كأمة، فمشاريع الهيمنة الشرق الأوسطية الجديدة، بنسخها الفارسية والطورانية والاستعرابية، هي وريثة المشاريع الغزوية القديمة، وإن قادة المشاريع الجديدة متشبّثون ببقاء وطننا تحت احتلالهم، وببقائنا مستعمَرين تحت قبضتهم، ولذلك يستنفرون ويخرجون عن طورهم بمجرد مطالبتنا بتقرير مصيرنا، لا بل بمجرد إحياء أسماء قرانا وبلداتنا التي زوّروها في إطار حملات التفريس والتتريك والتعريب.
أجل لا خيار آخر أمامنا، ولا وقت لمزيد من الغفلة والوقوع في فخ الوعود الزئبقية، إن ذهنيات قادة المشاريع الغزوية الجديدة محشوّة بثقافة الغزو والاحتلال وقهر الشعوب وإلغاء ثقافاتها وهوياتها ووجودها، وثمة أدلة كثيرة على أنه لا مكان- إلى الآن- في تلك الذهنيات لألفباء الديمقراطية والفيدرالية والكونفيدرالية، إنهم- كأسلافهم الغزاة- بارعون في التلويح بأنبل الشعارات، وتكريس أنذل الممارسات.
لقد كان أسلافنا الميد سادة غربي آسيا بلا منازع، وهم الذين بادروا إلى تحرير شعوب غربي آسيا من طغيان إمبراطورية آشور، وتوفير الأمن والسلام في هذه المنطقة، وقبلهم كان أسلافنا الجوتيون والميتّانيون من أبرز القوى الإقليمية في هذه المنطقة، وهذا يعني أننا لسنا أمّة عقيمة، ولسنا شعباً بلا جذور، ويعني أيضاً أننا مرشّحون تاريخياً لأن نقوم بدورنا التحرري والحضاري في العالم، ومرشّحون تاريخياً للمساهمة بقوة في القضاء على ثقافة الغزو والقهر والإنكار القائمة حالياً.
ألا إن الفخر بالأمجاد وحده لا يصنع الأمم، وكي نتمكّن من تصحيح مسيرة أمتنا، ونستعيد مكانتنا تحت الشمس، نحتاج إلى نأخذ حقائق التاريخ الأربع في الحسبان:
علينا أن ندافع عن الجغرافيا الكردستانية.
وعلينا امتلاك القوة الكردستانية الرادعة.
وعلينا إنجاز المرجعية الكردستانية الواحدة.
وعلينا السعي إلى تأسيس الدولة الكردستانية.
ومهما يكن، فلا بدّ من تحرير كردستان!
17 – 2 – 2013
Feqî Kurdan (Dr. E. Xelîl)