• Monday, 23 December 2024
logo

سوريا إلى أين؟ 


سوريا إلى أين؟ 

شيار عيسى
المشهد السوري أصبح قاتماً إلى حد أن التفاؤل بحل يمكن أن ينقذ البلد من الدخول في حرب أهلية تدمر ما تبقى من بنى تحتية و من ما تبقى من روابط بين السوريين لتكون الضامن لبناء الدولة الجديدة ضرباً من الخيال أو الرؤية الغير مبنية على تحليل سياسي للواقع و إنما على ما يتمناه صاحب ذلك التحليل. قتامة الوضع السوري لا تنبع من العدد الهائل من الضحايا و السجناء و المهجرين فحسب و إنما من أن المعارضة بشقيها السياسي و العسكري تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية و بالتالي فإن سقوط النظام لن يعني أن المشكلة السورية ستحل لأنه أصبح في سوريا أمراء حرب لا يهمهم شيء سوى مصالحهم و قوى تأتمر بأوامر جهات إقليمية وهذه القوى ليس لها أجندة وطنية و كذلك تنظيم القاعدة ممثلاً بجبهة النصرة التي تبناها الأتلاف السوري بشكل رسمي بالإضافة إلى الفكر البعثي العنصري المتغلغل في أذهان معظم المعارضين السوريين من جهة عدم قبول الآخر المختلف فكرياً أو دينياً أو قومياً
هناك باعتقادي ثلاثة سيناريوهات لمآلات الصراع الدائر في سوريا و هي التي ستحدد مصير الدولة السورية في المستقبل.

1_ الاحتمال الأول هو أن تنتصر المعارضة المسلحة أو أن تهزم بشكل نهائي في الشهور أو الأيام القليلة القادمة. إذا انتصر النظام في هذا الصراع فهذا يعني أن العالم يجب أن يكون مستعداً لاستقبال مئات الآلاف من المهاجريين السوريين الهاربين من النظام الذي لن يتوانى عن ارتكاب المزيد من المجازر و التنكيل بالمعارضين والانتقام منهم. أما إذا انتصرت المعارضة فإن ذلك سيجنب البلد حمامات دم و حرب أهلية إذا تصرفت على أساس المصلحة الوطنية واحترام الخصوصية السورية لكني أشك في ذلك لأن المعارضة أصبحت أسيرة أجندة إقليمية مصلحة الشعب السوري ليست واحدة من أولوياتها .هذا الاحتمال صعب الحدوث إن لم نقل أنه مستحيل فحدة المعارك قد خفت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة و هو مؤشر على تراجع القدرات القتالية للجيش الحر بسبب عدم توفر السلاح النوعي الذي يمكن الثوار من حسم المعركة و عدم توحيد القوة العسكرية و عدم التنسيق على أرض الواقع. و النظام أيضاً لا يريد فتح جبهات جديدة و تشتيت قواته للسيطرة على الأرياف التي ليس لها أهمية استراتيجية عندما يتعلق الأمر ببقائه. إذاً فكل طرف لديه قناعة على الأقل من الناحية العملية بضرورة الاكتفاء بعدم خسارة المناطق التي تقع تحت سيطرته و بالتالي فإن ذلك سيؤدي إلى تحول الصراح إلى شبح يلازم السوريين فترة طويلة و سيكون له نتائج كارثية على مستقبل البلاد. 

2_ الاحتمال الثاني هو أن تتوقف الحرب عبر مفاوضات تؤدي إلى تنحي الأسد و كبار أركان نظامه المتورطين بشكل مباشر في المجازر ضد الشعب السوري و بالتالي تجنيب البلد المزيد من التدمير و المزيد من التفكك الاجتماعي. لكن هذا الاحتمال أيضاً شبه مستحيل في ظل المعطيات الحالية. فحلفاء النظام السوري يحتاجون النظام بقدر حاجة النظام إليهم. سقوط النظام سيكون خسارة كبيرة بل سقوطاً لمحور "الممانعة". إيران و حزب الله يعتبرون حرب النظام معركة حياة أو موت بالنسبة لهم و بالتالي سيستمرون في ضخ الأموال و المقاتلين إلى سوريا. روسيا أيضاً لها مصلحة في بقاء النظام و اعتقد أن أهمية النظام بالنسبة لروسيا أيضاً كبيرة ليس من الناحية الاقتصادية و لكن من الناحية السياسية فالروس ليس لديهم الكثير من الحلفاء في الشرق الأوسط وهو أمر يؤرق قادة الكرملين الذين لهم أحلام في العودة بقوة إلى الساحة الدولية و التأثير في صناعة القرار و هذا لن يحدث دون امتلاك مفاتيح و أوراق ضغط في الشرق الأوسط و بالتالي فإن مصلحتهم تكمن في الحفاظ على حليف قديم موثوق به. لا أتفق مع الكثير من المهتمين بالوضع السوري في تحليلهم أن سوريا ليست مهمة للروس و أن روسيا ستبيع النظام السوري إذا قُدِم لها ثمن مناسب. لا أعتقد أن في سوريا من سيفكر أو سيصلح لأن يكون حليفاً وفياً لروسيا كنظام الأسد و هذا الأمر يعيه الروس جيداً فالنظام البديل لنظام الأسد سيكون الإسلاميون فيه الدعامة الأساسية و بالتالي فإن علاقة هذه المجموعات الإسلامية مع تركيا و مسؤولية النظام الروسي عن المجازر التي ارتكبت بحق الشعب السوري ستمنع أي حكومة سورية تسيطر عليها المعارضة حتى من التفكير بعقد تحالف معهم. سقوط نظام الأسد سيكون سقوطاً مدوياً لأقوى حليف روسي في المنطقة و بالتالي فإن روسيا لن تتخلى عن النظام و ما تشبث الروس بالأسد و نظامه بعد مرور سنتين من عمر الثورة إلا دليلاً على ذلك.
في الطرف المقابل فإن حلفاء المعارضة يقسمون إلى طرفين. أولاً الدول الغربية التي كانت حليفة لنظام الأسد و اضطرت للوقوف ضده لعدم قدرتها عن الدفاع عنه لا في المحافل الدولية و لا أمام شعوبها بسبب فظاعة المجازر المرتكبة في سوريا. هذه الدول لا تريد أن تتدخل عسكرياً في سوريا لأنه ليس لها مصالح اقتصادية كبيرة بحجم المخاطر التي قد تواجهها في حال التدخل العسكري المباشر و تجربة العراق و أفغانستان مازالت حاضرة في أذهان الكثير من قادة أوربا و أمريكا. هذه الدول لا تريد حتى تزويد المعارضة بالسلاح خوفاً من وقوع تلك الاسلحة في أيدي جماعات إسلامية متطرفة قد تستخدم ذلك السلاح لتهديد أمن إسرائيل و تهدد المصالح الغربية في المنطقة خصوصاً بعد أن تبنت المعارضة التنظيمات المتطرفة و منها جبهة النصرة بشكل رسمي و إصرارها على عدم انتقاد جرائم تلك التنظيمات. ثانياً الدول العربية التي لا تستطيع الدخول بمفردها في حرب مباشرة ضد النظام لأن تلك الحرب ستتحول إلى حرب إقليمية مع دول محور "الممانعة" و هو أمر تتجنبه تلك الدول. إذاً فحلفاء المعارضة السورية لا يهمهم انتصارها لا بل أستطيع الجزم بناءً على مواقفهم بأنهم يتمنون بقاء النظام و إن كانوا يجاهرون بطلب رحيله بينما يعتبر حلفاء النظام معركة النظام معركة بقائهم من عدمه و بالتالي فهم يقدمون كل أشكال الدعم العسكري و السياسي و الاقتصادي للحفاظ عليه.
 
هذه المعطيات يعلمها النظام جيداً و لذلك فهو لن يدخل في مفاوضات إذا كانت النتيجة المرجوة منه تنحيه فهو يعرف أنه لا يزال قوياً و يملك الكثير من مفاتيح القوة. المعارضة بدورها أيضاً غير قادرة على قبول تقاسم السلطة مع نظام الأسد فهي تتعرض لضغوط من أطراف إقليمية لعدم التفاوض مع نظام الأسد بالإضافة إلى عدم قبول الفكرة من قبل مؤيدي الثورة. 

3- الاحتمال الثالث أن تستمر المعارضة في التستر على أخطاء مجموعاتها المسلحة و أن يستمر النظام بتعنته و ارتكابه للمزيد من المجازر و سوق البلد إلى مصير مجهول و بالتالي جر البلد إلى حرب أهلية و بذلك سنحتاج مزيداً من الخيم لمهجرينا و مزيداً من السجون لمعتقلينا و مزيداً من أشهاد المقابر لشهدائنا و للأسف هذا هو الاحتمال الأكثر قرباً إلى الواقع استناداً إلى الواقع السياسي المعاش حالياً في سوريا
Top