• Sunday, 25 August 2024
logo

د. أحمد محمد الخليل : دراسات في الفكر القومي الكردستاني ( الحلقة 19 ) هل الكرد قومية وأمّـــة قائمـة بذاتها؟

د. أحمد محمد الخليل : دراسات في الفكر القومي الكردستاني ( الحلقة 19 ) هل الكرد قومية وأمّـــة قائمـة بذاتها؟
أجل، هل الكرد قومية Nationalism بذاتها؟ وهل هم أُمّة Nation برأسها؟

إذا كنا شراذم فرضت عليها الحياة الرعوية أن تتجاور، ولم نكن قومية وأمّة متجانسة إثنياً وثقافياً، فلماذا النضال والقتال؟ ولماذا الإصرار على (بَرْخُدان، وسَرهِلْدان، ويانْ كردستان يانْ نَمان)؟ ولماذا الحديث عن المحتلين والمستعمِرين؟
وإذا كنا أمّة متجانسة إثنياً وثقافياً، ونعيش على ترابنا القومي، فلماذا لا نملك قرارنا؟ ولماذا لا نملك وطننا؟ ولماذا لا نرمي خيارات (حقوق ثقافية، حكم ذاتي، إدارة ذاتية، فيدرالية، كونفيدرالية) وراء ظهورنا؟ لماذا لا نقول للمحتل: أنت محتل، وللمستعمر: أنت مستعمر؟ ولماذا لا نناضل بكل الأساليب لتحرير وطننا؟
دعونا نبحث عن الجواب على ضوء علم الاجتماع وعلم التاريخ.
ماذا يقول علم الاجتماع؟
يقول جيوفري روبرتس في تعريف القومية: " تعتمد القومية على عوامل، مِن مِثل اللغة المشتركة، والتاريخ المشترك، والتجاور الإقليمي، والتشابه العرقي، والثقافة المشتركة" ( جيوفري روبرتس:القاموس الحديث للتحليل السياسي، ص280)، ويوضّح فرانك بيلي أن القومية "هي تأكيد واع للأمّة" (فرانك بيلي: معجم بلاكويل للعلوم السياسية، ص 433).
ويقول روبرت أمرسون في تعريف الأمّة: "الأمّة في مفهومها الحديث تعني جماعة من الأفراد، تربطهم صلات مادية وروحية وعلاقات ومصالح متبادلة، تستند إلى مقوّمات مشتركة تميّزهم عن غيرهم من الأمم الأخرى، توحّدهم وتدفعهم للعيش معاً داخل حدود جغرافية معيّنة يشعرون بالانتماء إليها" ( عامر رشيد مبيّض: موسوعة الثقافة السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية، ص 132- 133).
فما الذي ينقصنا كي نكون قومية بذاتها وأمّة برأسها؟ ألسنا نتحدث بلهجات تنتمي في الأصل إلى لغة مشتركة؟ أليس لنا تاريخ مشترك؟ ألسنا نقيم في جغرافيا مشتركة هي كردستان؟ ألسنا ننتمي إلى فرع مشترك من العرق الآري؟ ألسنا ننتمي إلى ثقافة مشتركة مختلفة بخصوصياتها عن ثقافات الأمم الأخرى؟ أليست بيننا علاقات روحية توحّدنا في المواقف شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً؟
بماذا نختلف عن القوميات/الأمم الأخرى في العالم من حيث امتلاك مقوّمات القومية/الأمّة؟ لا بل بماذا نختلف عن القوميات والأمم المجاورة لنا؟ بماذا نختلف عن الفرس؟ بماذا نختلف عن العرب؟ بماذا نختلف عن الأرمن؟ بماذا نختلف عن الترك؟ ألم يكونوا مثلنا فروعاً وقبائل مختلفة وبلهجات مختلفة؟ فلماذا حلال عليهم أن يكون (قومية/أمّة) وحرام علينا؟!
ولننتقل إلى علم التاريخ؛ تُرى ماذا يقول بشأننا؟
ماذا يقول علم التاريخ؟
تؤكد مصادر التاريخ أن أسلافنا الزاغروس آريين عاشوا في وطننا هذا منذ لا أقل من خمسة آلاف عام، إنهم عُرفوا باسم (جُوتي/جُودي، لوللو، سوبارتو، كاشّو، حُوري/ميتّاني، مَنناي، خَلْدي/أورارتو، ميدي، كردوخ)، وفي وطننا هذا أقاموا الممالك، وقبل ذلك في وطننا هذا نشأت حضارة گُوزانا (تل حَلَف) الأقدم في غربي آسيا، ومن وطننا هذا انحدر شعب سومر إلى جنوبي ميسوپوتاميا، وأقام واحدة من أكثر الحضارات القديمة تقدماً، وحينما تسقط التابوهات الشوفينية في الشرق الأوسط، ويأخذ علم التاريخ مساره العلمي، سيتضح أن السومريين من أسلافنا.
وتؤكد مصادر التاريخ أيضاً أن أسلافنا الأوائل هم أقوام زاغروس، بما فيهم السومريون، ثم انضاف إليهم أسلافنا الآريون، وبدأ أسلافنا الجوتيون بتوحيد فروع شعبنا سياسياً وثقافياً في نهايات الألف الثالث قبل الميلاد، إنهم وضعوا اللبنات الأولى لصرح أمّتنا، وما زال جبل (جُودي) شاهداً على عظمتهم، واستمر أسلافنا الحوريون (الميتانيون) في القيام بذلك الدور خلال الألف الثاني قبل الميلاد، واستكمل أسلافنا الميديون تلك المهمة بين (700 – 550 ق.م).
ومنذ وقوع مملكة أسلافنا الميديين في أيدي المحتلين الفرس سنة (550 ق.م)، دخلت بلادنا ظلمات التاريخ، ولم يظهر اسمها إلا في مدوَّنات الغزاة، ومنها نعرف أن كردستان المركزية كانت تسمّى (كُوردوخيا)، وأن كردستان الشمالية كانت تسمّى (كُوردوئين)، وكانت عاصمتها (آميد/دياربكر)، وأن أسلافنا عُرفوا باسم (كُرد) خلال عهد الاحتلال الپارثي (الأشگاني) بين (250 ق.م- 226 م)، وبهذا الاسم عبروا إلى العهد الساساني (226 – 651 م)، ثم إلى العهد العربي منذ (20 هـ = 640 م) وبقية العهود المتتابعة، ثم إلى العصر الحديث.
طوال التاريخ كانت بلادنا عُرضة للغزاة: قبل الميلاد غزانا الأكّاديون، والبابليون، والآشوريون، والسِّكيث، والحِثِّيون، والمصريون، والآراميون، والفرس، والأرمن، والإغريق، والپارث. وبعد الميلاد غزانا الفرس، والرومان، والروم/البيزنطيون، والعرب، والترك السِّلاجقة، والترك الخُوارِزميون، والفرنج، والمغول، والتتار، والترك المماليك، والترك العثمانيون، والمستعمرون الأوربيون (روس وإنكليز وفرنسيون)، إنهم نهبونا واضطهدونا وشرّدونا وقتلونا، لكنهم عجزوا عن أن يمسخونا أو يبيدونا، ولو كنا شراذم ولم نكن أمّة لأفلحوا في ذلك.
إن بلادنا ما كانت خاوية من أسلافنا حينما غزاها العرب المسلمون (بدءاً من 20 هـ = 640 م)، ولم تذكر المصادر أن شعوباً أخرى حلّت محلّ أسلافنا في الفترة الواقعة بين سقوط مملكة ميديا والغزو العربي (550 ق.م- 640 م)، وهذا يعني بلا شك أننا أحفاد الميديين الأقحاح، ولسنا شراذم ولا مهاجرين ولا محتلين.
وصحيح أن ظروف الجبال والحياة الرعوية والاحتلالات، جعلتنا نختلف في اللهجات، لكننا نتكلم بلغة واحدة، وننتمي إلى ثقافة مشتركة، ويجمعنا وطن واحد هو (كردستان)، ونعرّف أنفسنا بأننا (كُرد): كُرد لُرّ/فَيْلي، وكُرد گُوران، وكُرد سُوران، وكُرد زازا، وكُرد كُرمانج. فكيف لا نكون قومية/أمّة قائمة بذاتها؟
ومهما يكن، فلا بدّ من تحرير كردستان!
توضيح: للتأكد من المعلومات التاريخية حبذا العودة إلى:
1- سلسلة دراسات في التاريخ الكردي القديم على الرابط:
https://www.box.com/s/uifgrdwfx0pjxegh97u9
2 - سلسلة دراسات في الشخصية الكردية – الحلقات: 3- 4- 5- 6 في (المدوّنة الشخصية للدكتور أحمد محمود الخليل) على الرابط:
Top