• Monday, 23 December 2024
logo

وليد فارس : ممارسات بشرية في المجتمع الثوري السوري .. الأرض ليست الجنة والثوار ليسوا ملائكة

وليد فارس : ممارسات بشرية في المجتمع الثوري السوري .. الأرض ليست الجنة والثوار ليسوا ملائكة
لا أخفي على أحد أنه تغيظني كثيراً تعليقات البعض حول انتقادات كبيرة للثوار والمجتمع الثوري بدرجة تصل في بعض الأحيان لهدم كامل لما يقوم به الثوار وإغلاق الباب أمام أخلاقهم الطيبة وغض النظر عن كل ممارساتهم وأعمالهم البطولية, أحد الأشخاص كتب بعد أن عرضت عليه مشكلة بين بعض الثوار أنها نهاية الثورة وأنه لن يصلح لنا حال بعد هذا الأمر.

نعم يحتوي المجتمع الثوري على الكثير من الممارسات الخاطئة الموجودة في أي مجتمع بشري طبيعي وترتفع فيه نسبة الأخلاقيات والقيم لدرجة عالية لست الآن بصدد الحديث عنها.

ذكرت كتب السيرة أن رسول الله-صلّ الله عليه وسلم- قال لأصحابه أن فلاناً ليس من أهل الجنة فأخبروه أنه مجاهد مقاتل في سبيل الله فكرر بلاغه دون تغير في الموقف مما دفع الصحابة -رضوان الله عليهم- للبحث عن أسباب هذا الأمر فوجدوه قد سرق عباءة من الغنائم, وفي أحد الغزوات ذهب شاب من الصحابي بعد أن سمع صوت نساء إلى المكان الذي سمع منه الصوت فرآه الرسول –صلّ الله عليه وسلم- فعاتبه بطريقة لطيفة طيبة فيها كثير من العبر والصور.

وروت كتب السيرة أن أعرابياً بال في المسجد وهو أقدس مكان للمسلمين وأعلاه درجة وارتباطاً مع رب العالمين, كذلك قد روت السيرة أن "حاطب بن بلتعة" أرسل كتاباً للمشركين يخبرهم عن أحوال الصحابة وجيشهم فيُسرب تفاصيل العمل العسكري لعدوهم, كما روى المحدثون أن رجلاً في معركة القادسية كان يشرب الخمر ويقاتل في صف المسلمين.

والروايات التي أوردها المحدثون ليست للقراءة أو التدوين بل للتفكر والتدبر والتعلم والاستفادة فإن كان مجتمع الصحابة -رضوان الله عليهم- وأتباعهم -رحمهم الله- على الرغم من إجماع العالم على نقائه وطهارته وتفرده وتميزه القيمي والأخلاقي على الرغم -من كل هذا- وُجد فيه مخبرٌ للعدو وسارقٌ في معركة وشاب ينظر إلى النساء وشارب خمر وصاحب تصرف سيء ونماذج بشرية أخرى جبلها الله على هذه الطبيعة, فذكرت لكي نتعلم منها ونستنير بها ونسترشد.

لقد صنع الثائرون في سورية سيراً لا تقل عظمة عن سير العظماء ولا تختلف كثيراً –لابل قد تزيد- عن صور الأتقياء والصالحين وكبار المشهورين في هذا العالم, إن صور التضحية والتعامل في المجتمع الثوري الثائر لتكاد ترقى إلى أعظم المستويات الأخلاقية دون اختلاف أحد على ذلك, وإنه لمن المعيب أن نمحي لهؤلاء العظماء كل مبادرة وبياض وطيب خلق مقابل ممارسات فردية من شخص أو مجموعة أشخاص وإن السوداوية التي يتعامل بها البعض مع المجتمع الثائر لا تقل سوءاً عن أي ممارسة غير مرغوبة من أفراد هذا المجتمع.

لقد أثبت الثائرون أنهم مثال عالي المستوى ودرجة متقدمة من البشرية وأخلاقياتها وإن التميز الذي يتمتعون به اليوم على مستوى القيم الإنسانية لا يعكره ولا يشوبه أية ممارسات اجتماعية خاطئة مهما كان ترتيبها على سلم القيم ففي النهاية إنها الأرض وهم ليسوا ملائكة.

حمص, وليد فارس, 14-2
Top