جواد الغبان قنديلٌ اخضر .............فوزي الاتروشي - وكيل وزارة الثقافة
فموت الشاعر يعني ارتفاع عمود اخر للنور في الذاكرة الجمعية، ومن محاسن موت الشعراء ان الجسد اذ يسقط تخضرُّ وتنتعش كل قصائد الشعر ودواوينه في الذاكرة، وبذلك يصبح الموت ميلادا ً اخر ازهى واجمل.
للشاعر (محمد جواد الغبان) فضل التأسيس مع رواد اخرين للشعرية العراقية، وله قصب السبق في مزج الشعر بالوطن واماله والامه دون ان تفقد جملته الشعرية اناقتها ووهجها وطاقتها التعبيرية .
في دواوين (الامل) و(وهج الشوق) و(انت ِ احلى) و(انت ِ اغلى) اثبت الشاعر جدارته وتمكنه وعمقه، وفي عمله الثقافي اثبت رياديته فقد كان من مؤسسي الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، ونقابة الصحفيين في عام 1959. وقبل ذلك كان قد اصدر مجلة (الفكر) وكان له امتداده مع جماعة (ابولو) الشعرية وغيرها من المحافل المعنية بالشعر في العراق والقاهرة .
لذلك كانت مسيرته الادبية التي بدأت باول قصيدة عام 1946 في مجلة (الدليل) النجفية والتي مرت بمنعطفات ومحطات اضاءت المشهد الثقافي العراقي حتى توفي عن عمر ناهز الـ (84) عاما ًحبلى بالانجاز الثقافي والسياسي والاجتماعي والنشاط المناصر للمرأة وحقوقها، وكان مجلسه الادبي الشهير الذي تشرفنا بالحضور اليه احدى المرات حضنا ً للتواصل والنقاشات والامسيات الادبية، فقد كان الغبان في قلب المجتمع وفي مقدمة المشهد الادبي العراقي وكان عينا ً لم تتعود على التثاؤب وعقلا ً لم يتعود الركود الى الكسل وجسدا ً يحمل عنفوان الشباب.
اليس هو القائل :
الهوى والشباب ملء كياني والجوى والعذاب في وجداني
فاذا ما بحثت عني فأني وهج الحب في عيون الحسان
واذا ما اردت َ يوما ً تراني فلدى كل حلوة عنواني
هكذا هو شاعرنا الذي ابحر مع المتنبي طويلا ً ليكتب (المتنبي بعد الف عام) وابحر كل العاشقين في سفن الحب اليه لترسو بهم على شطآنه كما قال في احدى ابياته الشعرية .
الشاعر الغبان علمنا ان نظل عالقين بالامل والحب والتفاؤل وان لا ننحني للعاصفة وننتظر في احلك الظروف مواعيد المطر ومواسم امتداد السنابل وانفتاح البراعم فهو شاعر في قلب الحياة ونبضه وخفقان قلبه يؤشر كل لحظة لميلاد فكرة او قصيدة او بارقة امل .
لذلك كله اقول ان الغبان يستحق اكثر من التأبين، انه جدير بالاحتفاء به ابداً في الذاكرة العراقية .