زيباري لـ «الشرق الأوسط»: السياسة الأميركية تجاه سوريا «تحت بند المراجعة».. والتوافق مفقود
وأضاف زيباري الذي شارك مؤخرا في فعاليات مؤتمر ميونيخ أنه حتى الآن لم يحدث اتفاق بشأن سبل التعامل مع الأزمة السورية، لافتا إلى أنه «تم بحث الموضوع وانتهينا إلى العودة إلى وثيقة جنيف بوصفها إطارا مع التعديلات أو تحسينات، لكن حتى هذه اللحظة هناك أصوات لا تقبل باللجوء إلى التدخل في سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة».
وتحدث زيباري عن الأوضاع في العراق والأزمة الراهنة وإمكانات الحل، وأشار إلى تأثير الأزمة السورية على بلاده، قائلا إن «المناطق الغاضبة هي القريبة من الحدود مع سوريا»، مؤكدا أن الحكومة العراقية بادرت باتخاذ حزمة من الإجراءات لتخفيف حدة الاحتقان، ومشددا على أن الحوار الوطني هو السبيل الوحيد القادر على إنهاء كل مظاهر الغضب في بلاده وتحقيق التوافق السياسي، موضحا أن العقبة التي تواجه فرقاء المشهد السياسي في بغداد هي عدم وجود وسيط نزيه لدفع الحوار.
كما تحدث وزير الخارجية العراقي عن الخطوات التي اتفق على تنفيذها بين بلاده والسعودية من أجل فتح صفحة جديدة وآفاق للمستقبل تؤدي إلى التعاون الشامل، وبشكل يخدم مصالح البلدين مع استمرار التنسيق السياسي في قضايا المنطقة، ووصف العلاقة مع الكويت بالإيجابية والحرص على التعاون وإنهاء كل القضايا العالقة.
* شاركت مؤخرا في مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، الذي ركز على الثورات والأمن العالمي، ما نتائج هذا الاجتماع وكيف رأيته؟
- أهمية هذا الاجتماع جاءت من كونه قدم رؤية جديدة للتوجهات الدولية، وصناعة القرار الدولي في المستقبل. وشاركت أميركا في هذا المؤتمر بقوة من خلال تمثيل نائب الرئيس جو بايدن، الذي طرح رؤية الإدارة الجديدة حول معالجة مختلف القضايا، لكن لا يوجد حقيقة تغيير جوهري في سياسة الإدارة الأميركية خلال الفترة المقبلة. وكان الحضور قويا للجميع. وشاركت في المؤتمر نخبة مهمة من مسؤولي دول المجموعة الغربية، وكذلك الأجهزة الأمنية ووزراء الدفاع والاستخبارات والأمن القومي. وتم بحث ومناقشة عدد من القضايا منها مسألة الطاقة وتأمينها، وتقدم أميركا التكنولوجي الهائل في إنتاج الغاز والبترول الحجري، وهذا سوف يقلب موازين الطاقة في العالم بالنسبة للنفط واحتياجات العالم وقيام أميركا بتصدير النفط والغاز واعتمادها على نفسها خلال الفترة المقبلة، وسيكون ذلك بعد عشرة أعوام. وهناك تقدم هائل للتكنولوجيا الأميركية في هذا الموضوع، وسوف يقلل هذا من الاعتماد على نفط الدول العربية خلال الفترة المقبلة. الموضوع الآخر كان عن أزمة اليورو وتأثيره على اقتصادات العالم والمنطقة، وأيضا الأزمة السورية وتداعياتها على كل دول المنطقة، والتدخل الفرنسي في مالي كان من المواضيع الأساسية أيضا.
* وهل حدث تطور ملحوظ في الموقف الدولي بشأن معالجة الأزمة السورية؟
- التطور الجديد هو مشاركة رئيس الائتلاف الوطني السوري الدكتور معاذ الخطيب في المؤتمر. وقد عرض (الخطيب) مبادرة لإجراء حوار مع النظام السوري بشروط. وعقد لقاءات ثنائية مع سيرغي لافروف، ومع نائب الرئيس الأميركي بايدن، ومع الأخضر الإبراهيمي (المبعوث الأممي - العربي المشترك)، لكن لم يتحقق اللقاء الرباعي المشترك. وبالتالي لا نستطيع أن نقول إن هناك شيئا تحقق، بل أكد الجميع على المواقف المعروفة سلفا.
* هل ما زلت عند رأيك بأن حل الأزمة السورية سيكون خلال الربيع المقبل، بعد لقاءات ميونيخ؟
- السياسة الأميركية حول سوريا حاليا تحت بند المراجعة، والسؤال الذي طرح في ميونيخ: كيف يمكن لأميركا أن تقدم الحلول وتساعد الأطراف على اجتياز الصعوبات؟ وكانت هناك أصوات أوروبية وأصوات أخرى مهمة تطالب بتحرك أممي ومن مجلس الأمن لحل الأزمة السورية.
* هل معنى ذلك أن يأخذ مجلس الأمن بالتقرير الذي قدمه الأخضر الإبراهيمي بصدور قرار ملزم للطرفين في سوريا بوقف إطلاق النار تحت الفصل السابع؟
- حتى الآن لم يحدث اتفاق. وقد تم بحث الموضوع وانتهينا إلى العودة إلى وثيقة جنيف بوصفها إطارا، مع التعديلات أو تحسينات معينة، لكن حتى هذه اللحظة هناك أصوات لا تقبل باللجوء إلى الفصل السابع.
* هل تقصد روسيا والصين؟
- نعم؛ فالدولتان عند موقفيهما، وبالتالي فالأزمة السورية سوف تستمر مع الأسف الشديد بهذه الوتيرة من العنف والقتل من دون وجود أي أفق للحل. والجميع محبط لأسباب منها؛ أولا أنه ليس هناك إرادة دولية للتحرك، وهذا ما نبهنا إليه منذ البداية، وقلنا إن الأزمة السورية جاءت ربما في فترة انقلاب موازين القوى العالمية والإقليمية، وهذا أحد مواضيع القمة في ميونيخ. وكان هناك دعم للتدخل الفرنسي في مالي، ولكن لم يتفق كل الأوروبيين على هذا التدخل. وكانت هناك خلافات حول حجم الدعم والطريقة التي نُفذ بها، وحجم المساعدة من الدول الأوروبية الأخرى، ولكن الجميع أكد أن القرار الفرنسي بالتدخل كان جريئا، وهذا يؤكد أنه بالإمكان التحرك إذا توفرت الإرادة. وطرح أيضا أن هدف التدخل الفرنسي (في مالي) كان لمكافحة المجموعات الإرهابية والمتطرفة، ولكن كان السؤال: إذا كان حدث تدخل في مالي، فلماذا لم يحصل التدخل في سوريا؟
* وماذا كانت إجابة السؤال؟
- لا أحد عنده إجابة.
* ما رؤية الدول الغربية لما يحدث في عواصم ما سمي «دول الربيع العربي»؟
- هم يرون أن تنظيم القاعدة سوف ينشط في كل المناطق المهملة في العالم، أي عندما يكون هناك فقدان لسيطرة الدولة على الأمن، وكذلك عندما يسود الجهل والفقر، تكون هذه المناطق بؤرا لمجموعات «القاعدة». وما حدث في مالي أن قسما من هذه المجموعات كان يعمل في ليبيا، والسلاح الليبي تدفق بشكل كبير، وانضمت هذه المجموعات إلى «القاعدة» حتى يزيد رصيدهم من خلال الهبات التي يحصلون عليها، ويمكن لهذه المجموعات أن تنتقل إلى الجزائر أو إلى مصر.
* هل تتوقع استمرار الدعم الأميركي لدول الثورات العربية؟
- هم يتحدثون عن دعم الديمقراطية والتحول، وهذه المساعدات سوف تستمر، لكن حجم التحديات والمشكلات في تقديري تنامى أكثر، وعلاج تلك المشكلات يعتمد على تطور هذه الدول ومجتمعاتها وكيفية بناء أنظمتها السياسية، وهناك مشكلات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وعندنا في العراق.
* وما الأزمة التي يعاني منها العراق حاليا؟
- ما زلت أؤمن أن العراق سبق دول الربيع العربي في ثورته، ومسألة الإصلاحات والدستور وإجراء الانتخابات والتحولات التي حدثت، لكن أسباب الأزمة في العراق، وخروج المظاهرات والخلافات وغيرها من مظاهر المشكلة، هو غياب الوسيط النزيه للقيام بتسويات أو باتفاقات لمنع تفاقم أو تدهور الأزمة. في السابق كانت لدينا أزمات خطيرة سياسية وأمنية ودستورية، لكن كان هناك وسطاء محليون ودوليون للمصالحة وتوسيع مشاركة العراقيين في العملية السياسية، ومن بين الوسطاء كان هناك دور المرجعية الدينية في النجف السيد السيستاني خاصة عندما يحدث خلاف حول الدستور، وفي الموضوع الطائفي والمقاومة كانت ترفع صوتها عاليا لوقف ومنع أي تدهور، هذا الأمر تراجع. والعامل الآخر؛ كلما كان يحدث توتر سني - شيعي في العراق، كانت القيادات الكردية تتدخل لردم الهوة وطلب الحوار، وسبق أن تدخل الرئيس مسعود بارزاني في خلاف تشكيل الحكومة وخلال مراحل عديدة كان يتدخل. حاليا افتقدنا كل هذه العناصر، إضافة لذلك، نرى أن كل القيادات الأخرى طرف في النزاع، ومن ثم يصعب اختيار أحد منها للعب دور الوساطة.
* وما الحل في تقديركم؟
- الأمم المتحدة موجودة، ولكن هناك خلاف حول دورها، والشيء الإيجابي أنه رغم هذه الاعتصامات والمظاهرات، فإنه لم تصل (المواجهات) إلى درجة استخدام القوة والعنف، ولم تتدخل القوات الأمنية، وعندما حدث موقفان فيهما بوادر عنف، انسحبت القوات من محيط التظاهرات، والحكومة حاليا تقوم ببعض الإجراءات الإصلاحية، منها إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من السجون، ومراجعة حالات حجز أموال، ورفع الحجز عن فلول النظام السابق، ودفع رواتب الصحوات الذين قاتلوا «القاعدة»، وكل هذه الإجراءات تسير.. هذه مطالب مشروعة، والسؤال: هل تحل الأزمة؟ أنا في تقديري من دون حوار سياسي وطني جاد لا يمكن معالج كل هذه القضايا.
* هل يمكن للجامعة العربية أن تلعب دور الوسيط النزيه خاصة في مسألة الحوار كما فعلت من قبل؟
- للأمانة الجامعة العربية عرضت المساعدة، والأمين العام الدكتور نبيل العربي تحدث معي بشكل رسمي وقال إن الجامعة على استعداد للمساعدة، ولكن من خلال موافقة وطلب الحكومة العراقية، كما عبرت منظمة التعاون الإسلامي عن الرغبة نفسها، والأمم المتحدة، وبالتالي هناك خيارات، ولم تصل الأمور إلى درجة القطيعة أو التصادم، وكل القيادات السياسية مستعدة وحاضرة للحوار، لكن ليس هناك الوسيط الذي يجمع كل الأطراف، وهذه هي العقدة الأساسية في الوضع العراقي. وهناك قاعدة أخرى هي أنه كلما حصل خلاف سياسي، زادت عمليات العنف والإرهاب، وهذا أمر يتطلب حل هذه الإشكالية. ويمكن القول إنه رغم وجود رغبة في الحل، وجهود تبذل، فإن الوضع حقيقة متأزم، وبالطبع يؤثر على عمل وأداء الحكومة وعلى إقرار الموازنة (موازنة العام الحالي) التي تعتبر مهمة بمعنى الكلمة والتي تصل إلى 119 مليار دولار، ولذلك قلنا دوما إن الأزمة السورية لا يمكن حصرها داخل حدودها.
* تقصد أن أزمة سوريا انعكست بشكل كبير على مشكلات العراق الراهنة؟
- في تقديري لها تأثير، لأن معظم المناطق الغاضبة والمتظاهرة هي المناطق الغربية القريبة من الحدود السورية في الأنبار وصلاح الدين والفلوجة وغيرها.
* هل من جديد في ملف تطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية؟
- بالتأكيد لدينا رؤية مشتركة لفتح صفحة جديدة، وآفاق أرحب للتعاون الكامل مع السعودية في كل المجالات، وخلال مشاركة العراق في القمة التنموية في الرياض، أجرى الوفد العراقي لقاءات مفيدة جدا مع الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، ومع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وكذلك مع وزير الداخلية وكانت كل اللقاءات إيجابية وطيبة. ونرى أن هناك حاجة لمراجعة العلاقات الثنائية، وأنه لا يجوز أن تُختزل في علاقة عادية، واتفقنا على أهمية اتخاذ سلسلة إجراءات لبناء الثقة، منها مسألة المعتقلين الموجودين في كل من العراق والسعودية، وقد أنجزنا اتفاقية داخل البرلمان العراقي، وهذا سوف يسهل الأمر. كذلك تم الاتفاق على فتح المنافذ الحدودية بين البلدين من منفذ عرعر لأن معظم الصادرات السعودية إلى العراق تدخل عن طريق الكويت والأردن. واتفق أيضا على تصحيح كل ما يرد غير واضح عبر وسائل الإعلام، وأيضا التنسيق في كثير من قضايا المنطقة مثل الأزمة السورية وأمن الخليج، واتفقنا على استمرار التواصل والتنسيق واكتمال التمثيل الدبلوماسي من خلال سفير مقيم للمملكة لدى العراق ومن ثم لمسنا روحا جديدة تسود العلاقات الثنائية.
* ماذا عن العلاقة مع الكويت؟
- علاقاتنا بالكويت تسير بشكل إيجابي جدا، وتوصلنا مؤخرا لعدد من الاتفاقات من بينها تسوية موضوع الخطوط الجوية الكويتية بشكل نهائي، كما وافق مجلس الأمة الكويتي على اتفاقية مهمة جدا وهى تنظيم الملاحة في «خور عبد الله»، ولدينا فرق أمنية تعمل على الأرض لوضع العلامات البرية الحدودية، ومن ثم نسير في الاتجاه الصحيح، وعلاقاتنا طيبة.