عوامل إطالة عمر نظام البعث في سوريا................نوري بريمو*
ولكن ورغم أنّ المعادلة ستسير نحو سقوط الأسد بعد سيطرة الثوار على معظم المفاصل الحيوية في سوريا، فإنّ ثمة مقومات كثيرة تمدّ النظام بالقوة وتطيل عمره وأمد بقائه في السلطة، ولعلّ أبرزها: 1- نظام الأسد يستمد قوته من طائفته العلوية المتماسكة فيما بينها والمتمسكة بزمام الأمور والمبادرة وبيدها كل شيئ، حيث لا يزال الجيش قوي والإستخبارات متراصصة ولا يزال السلك الدبلوماسي على رأس عمله ولم ينشق عنه أحد ولا تزال القيادة القومية للبعث مطيعة للأسد رغم تخريبه للبلد ومجلس الشعب باق وأعضاءه لم ينشقوا عنه ويضفون الشرعية على النظام، وبالمحصلة لم ينشق أي مسؤول كبير حتى الأن عن نظام آل الأسد. 2- نظام الأسد يمتلك ترسانة من الأسلحة الفتاكة المتطورة، ولم يتم استخدامها ولاتزال مكدسة في المخازن وشبكة خبراء إستخدامها لا تزال متماسكة ومستنفرة وجاهزة للتطويع والدفاع عن النظام (براً وبحراً وجواً). 3- نظام الأسد (بحكم انتمائه للهلال الشيعي) هو جزء من محور إقليمي متماسك لا بل متعاضد ولم تستطع أية جهة حتى الآن أن تفك إرتباط مكوناته ببعضها، حيث على الأرجح ستبقى إيران تدافع عن الأسد وكذالك المالكي وحزب الله سيدافعان عنه لكي يبقى في السلطة بدمشق أو يغادرها بإرادته شريطة أن يحصل على ترخيص دولي بتشكيل كيان علوي مستقل في الساحل السوري. 4- نظام الأسد هو جزء من منظومة دولية مناهضة للغرب ولإسرائيل ولمن لف لفهما، فالروس والصين وأتباعهما سيدافعون عن الأسد ليس حباً له وإنما للمحافظة على نفوذهم ومصالحهم في منطقة الشرق الأوسط وللإبقاء على موطأ قدم في سوريا أو في الدويلة العلوية المزمع تشكيلها. 5- المعارضة السورية ضعيفة وغير متماسكة ولم تستطع حتى الأن إثبات ذاتها وقوة تمثيلها في الداخل والخارج، ففي الداخل مثلاً: تغيّر محتوى وشكل الثورة السورية وإنتقل ولاء الشارع السوري للجماعات المسلحة (المتطرفة) التي صارت صاحبة القرار الأول والأخير، وبدورها هذه الجماعات تقوم بتهميش المعارضة السياسية الخارحية (المجلس الوطني السوري والإئتلاف الجديد)، مما أدى إلى إنقلاب رأي المجتمع الدولي ضدها ولم يتم الإعترف بها حتى الحين، ومن جهة أخرى فإنّ هذه المعارضة باتت أسيرة لقوى عربية سنية تفكر بشكل أكثري وتعتبر بأن سوريا ملكا للعرب السنة وحدهم ولا تعترف بوجود باقي المكونات التي تشكل تقريبا نصف سكان البلد (كورد وكلدوآشوريين ودروز وعلويين وجركس و...إلخ)، مما أدى إلى تخويف تلك المكونات الأصيلة التي أعطت الحق لنفسها لتعيد حساباتها وتجد سبلا للدفاع عن نفسها ولكي تنآى عن ذاتها من مغبة الإنصهار في أطر أو بوتقة المعارضة "السنية" التي يبدو أنها تسعى نحو الإتيان ببديل قد يشكل خطرا على الأقليات، بسبب عدم حصول أية أقلية على أية ضمانات تضمن حقوقها حاضرا ومستقبلا. وبخصوص هيمنة القوى المتتطرفة على ائتلافات المعارضة السورية وعدم إعترافها بوجود الشعب الكوردي وحقوقه مثلا، فليس هذا فحسب بل إنّهم يطالبون الكورد بتقديم الولاء والطاعة بلا مقابل وقبل أن يصبحوا حكاما لسوريا ما بعد الأسد، وها قد نفذ صبرهم لعدم مثول الكورد لإرادتهم الفوقية فأرسلوا بعضا من مجاميعهم المسلحة عن طريق تركيا إلى مدينة سري كانية وهاهم يقصفونها وينتهكون حرماتها بحجة تحريرها من أهلها الكورد الذين طردوا النظام من مدينتهم منذ شهور!، وبهذا الشأن فإن الجانب الكوردي سينحى كالعادة نحو الحوار ولن يختار خيار الحرب ضد جيرانه السوريين، ولكن من حقه أن يدافع عن دياره ضد أي غازي وأن لا يسلمها لأية قوى متطرفة وغريبة وتقصد الإحتلال وليس التحرير، ولا بديل في هذه الحالة عن إعادة ترتب البيت الكوردي وتوفير مستلزمات الدفاع عن المناطق الكوردية. ورغم قتامة المشهد الداخلي السوري نظرا لمدى قوة النظام وبالمقابل الأخطاء التي ترتكبها المعارضة، إلا أن التفاؤل ينبغي أن يكون سيد الموقف لدنو أجل نظام الأسد الذي استعبد البلاد والعباد قرابة نصف قرن، والمطلوب الحالي هو أن تبادر المعارضة السورية إلى سحب مجاميعها المسلحة من مدينة سري كانية الكوردستانية، وأن تدخل مع الكورد كشركاء في حوار سياسي يجنب الطرفين من إحتمال التورط في أتون حرب أهلية (كوردية ـ عربية) لن يستفيد منها سوى نظام الأسد الذي يخطط وفق هذا المنوال ليضربنا ببعضنا وليطيل عمره فوق رقابنا وليبقى في حكم بلادنا إلى أبد الآبدين.