لاحياة لثقافة اللون الواحد...................فوزي الاتروشي - وكيل وزارة الثقافة الاتحادية
والثقافة التي تصر ان تبقى محلية بدعوى الحفاظ على التراث وتقديسه تظل عصية على الفهم فلا تحل ضيفا على احد ولا تستضيف احدا, بذلك تحكم على نفسها وعلى التراث بالاعدام, لان اي موروث ثقافي اذا لم يتطور وينسجم مع المتغيرات لا يحرك ساكنا ويتلاشى تدريجيا من الذاكرة الجمعية, لذلك وحدها الثقافة ذات البعد الانساني هي التي تترك الوانها وتاثيرها وتفاعلاتهاعلى الحضارة .
وكل ثقافة تتحدث بلغة واحدة وتخضع لسياق ايدولوجي واحد او لظلال قومية او طائفة او دين واحد او جهة ومنطقة بحد ذاتها ,تكون قد اجهزت على نفسها واصبحت اثرا بعد عين وذهبت ادراج الرياح . هذه هي الخلاصة التي اكدت عليها الادلة والبراهين التاريخية على مر الزمن, لذلك نجد حضارات اثمرت وانجزت وانفتحت وتلاقحت وتوسعت, واخرى انكمشت وانطوت واندثرت من ذاكرة العالم .
علينا ان نتحرك في العراق الجديد بهذا المنظور الاستراتيجي الذي يعم بالخير علينا جميعا. فلا ثقافة غالبة واخرى مغلوبة او واحدة سائدة واخرى مقهورة ولا انصهار للغة في لغة اخرى, فالصحيح هو التناغم والتآلف والتناسق لبلورة ثقافة وطنية عراقية بكل الالوان في اجواء الحرية القصوى واقصى حد من حق التعبير الفني والادبي والفكري. ومن هذا المنطلق اقدمنا ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 على اقامة فعاليات ثقافية للمكون السرياني وللديانة الايزيدية وللكورد والتركمان لكي ينتعش كل مكون بثقافته وينعش مجمل الثقافة الوطنية .
ان المسيرة الخضراء لدول القارة الاوربية بعد الحرب العالمية الثانية حين اقسمت الى الابد على عدم الرجوع الى الماضي ومنع الفاشية والنازية واية صيغة دكتاتورية, وحين وقعت على لائحة حقوق الانسان وعلى حزمة كبيرة من المواثيق الدولية التي تستهدف حفظ وتحصين كرامة الانسان, نقول ان هذه الدول حين اقدمت على هذه القفزة النوعية الجبارة هيأت الاجواء لتبلغ حضارة القرن العشرين اقصى المديات علميا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا.
فقد فتحت الباب على مصراعيه للفكر الانساني بكل اللغات وكل السياقات وكل التوجهات وحررت الفكر من اية حدود او سدود او اشتراطات وجعلت العقل اساس المعرفة, وقد برهنت العقود الاخيرة ان هذه الدول تقرأ المستقبل بدقة, فالثورة المعلوماتية الحديثة جعلت الحصار على الفكر امرا مستحيلا.
ومن جانب اخر فان هذه الدول جمعت الاصالة والمعاصرة معا واستفادت من التراث وعدلته بما يفيد ويغني ويثري حاضر البشرية . وقبل مدة حضرنا بأسم وزارة الثقافة الى ورشة عمل هامة جدا في دولة قطر حول (تحديات بناء القدرات في مجال حفظ التراث غير المادي ) التي كانت باشراف اليونسكو وبحضور وفود اغلب وزارات الثقافة العربية .
وقد بدا واضحا لنا كم العالم الاوربي والدول المتحضرة متقدمة في هذا المجال والانجازات التي حققها لصون التراث كموروث بشري وفي نفس الوقت التقدم الى الامام من خلال فهم واستيعاب متطور لمفهوم التراث.
بعكس دولنا التي تلجأ غالبا الى تقديس التراث مما يؤدي الى تكلسه وغيابه عن وعي العالم. ان الواجب يحتم علينا ان نندمج ونتلاقح ونتحاور وناخذ من الماضي المحطات المضيئة لدمجها بالحاضر, وفي نفس الوقت يتحتم ايضا ان تكون نوافذنا مفتوحة على كل الثقافات الوطنية والعالمية لنبقى في قلب العالم ,والا فأن العالم المتغير سيتجاوزنا حتما.