حسين جلبي : هل يمر السلام الكُردي ـ التركي عبر الأراضي السورية؟
و مع ما تنطوي عليه الفكرة من غرابة إلا أنه لا شيء مُستحيلاً في عالم اليوم، من جهتهم، الكُرد، سيكونون سعداء في حال حصول أحدهم على تكريمٍ مهما كان مستواه حتى دون سؤالٍ عن الثمن، فكيف إذا كان نتيجةً لإحلال السلام في الجزء الأكبر من وطنهم التاريخي، و الذي سينعكس بلا شك، بشكلٍ من الأشكال، على حال الكُرد في كل مكان، و خاصةً في سوريا، حيث اليد الطولى لحزب العمال الكُردستاني في المناطق الكُردية السورية، و التي تشكل خزانه البشري والمادي.
و الحقيقة هي أن السلام المنشود بمآله النهائي يختلف عن ما يُتدوال عن نتائج اللقاءات الحاصلة بين السيد أوجلان ومدير الإستخبارات التركية، حيث تبدو الحلول المطروحة و كأنهاُ محاولة متأخرة لأطفاء نارٍ أشعلها البعض منذُ ثلاثين عاماً، دون الأخذ في الإعتبار المرحلة الطويلة الفاصلة بين فعلي الإشعال و الإطفاء، بما فيها من أهدافٍ كُبرى تقزمت، و ضحايا بعشرات الألوف سقطت، و خسائر مادية و معنوية من قبيل تدمير آلاف القرى و تشريد ملايين الناس، بحيث يبدو أن المطلوب المُلِح هو طيُّ الصفحة على عجل، و إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عدة عقود، مع الأخذ في الإعتبار التطور الطبيعي للأشياء بعيداً عن تأثير ذلك اللهيب (العارض)، و كأن إعادة الاعتبار للضحايا و تعويضهم يكون في مجرد إغلاق الملف و تجنب المزيد من الخسائر، و كفى الله المؤمنين شر القتال.
كمعني بالشأن الكُردي السوري أولاً، و من ثم بالشأن الكُردي عموماً، فإنني أجده أمراً غاية في الأهمية إغلاق ملف القتال بين حزب العُمال الكُردستاني و الحكومة التركية، نظراً لأن هذا الملف يلقي بظلاله القاتمة على المناطق الكُردية السورية، إذ أنه من المفترض في ظل اتفاقٍ بين الكُردستاني و الحكومة التركية أن يتوقف النزيف البشري و المادي لهذه المناطق عبر آلاف الشُبان الذين التحقوا بصفوف الحزب لقتال الأتراك، حيث فقد الكثير منهم حياته هناك، كما أنهُ من المفترض أن يكف أحد الفرقاء في الساحة الكُردية السورية، و هو الفريق الذي يشكل امتداداً للكُردستاني، عن الاستقواء بهذا الأخير، و أن يستفيد من تجربته في نبذ العنف، خاصةً أن سلاحه موجهٌ للداخل الكُردي، لدرجة يظهر معها و كأنه قد بدأ للتو في إعادة تجربة الكُردستاني من نقطة الصفر، من خلال التهجم على المختلفين معه من شخصياتٍ و أحزاب، و تخوينهم و تصفيتهم و ترهيبهم تمهيداً للاستفراد بالساحة و القرار، حتى أن هؤلاء يقولون صراحةً بأنهم يستلهمون تجربة حزب العُمال الكُردستاني و أفكار الزعيم أوجلان.
في هذا الشأن، و خروجاً عن سياق التفاؤل أعلاه بالسلام كخيار نهائي للحزب، ثمة خشية من أن يحل النزاع المُسلح في تركيا على حساب المناطق الكُردية السورية باعتبارها أضعف حلقة من حلقات التواجد الكُردي، خاصةً بعد دخول أعداد كبيرة من مسلحي حزب العُمال الكُردستاني إليها و تغلغلهم في مفاصل المنطقة و إنشائهم منظومة خاصة بهم تُحاكي تصورات الحزب عن الإدارة و السيطرة، إذ ليس من المعروف ما إذا كان اتفاق السلام سيشمل هؤلاء أيضاً، أو ما إذا كان الاتفاق سيغفل امتدادت الحزب و توجهاته في الساحة الكُردية السورية، التي تبدو حتى اللحظة غير معنية بما يجري في تركيا من توجهات سلمية.
أبعد من ذلك كله، يبدو أن هناك توازناً في أوراق التفاوض بين الفريقين الكُردي و التركي، إذ أن في مُقابل الخسائر المؤلمة التي يُمكن لحزب العمال الكُردستاني أن يلحقها بالدولة التركية تمتلك هذه الأخيرة بدورها إمكانية الإستفادة من زيادة ضغوطها على السيد أوجلان الذي يحتل مكانة معنوية مرموقة لدى حزبه، رغم أن البعض يرى للضغوط التركية مفعولاً عكسياً، لكن توازن القوة هذا ليس هو فقط ما حرك عملية التفاوض الأخيرة بعد اقتناع الطرفين بإستحالة كسره، فمن جهة هناك المخاوف التركية من امتدادات الربيع العربي إلى أراضيها، و هناك من جهةٍ أُخرى مخاوف الكُردستاني من انخفاض الروح القومية لدى الشعب الكُردي في تركيا ما يؤدي بالتالي إلى تآكل حاضنته الشعبية يوماً بعد آخر، عند هذه النقطة التقى الفريقان لوضع حد لتداعي و ضعيهما، إذ ترغب تركيا في تحصين وضعها ضد مخاطر التقسيم، و يرغب الكُردستاني في الحصول على مكافأة إلقاء السلاح، ليس أقل منها إطلاق سراح السيد أوجلان و رفاقه في السجون التركية، و الذين يعتبرهم الكُرد أسرى حرب لدى قوة معادية.
تبدو دروب كُردستان حتى الآن من الوعورة بمكان بحيث أنها تستحق تمهيدها أولاً ليدخلها السلام و ليدخل بالتالي الاطمئنان إلى قلوب أهلها، و إذا تأخرت بعد كل ذلك الجوائز، أو لم تأتِ أصلاً، فليست تلك هي المُشكلة.