الراعي الصالح المتثائب.................................عبدالكريم يحيى الزيباري
مع تخلف علمي واجتماعي ومَظالم وعصابات النَّهب ومناصب برسم البيع، واختلط الجند الانكشاريون بأهل المدن وتغيرت أخلاقهم وواجبهم وازداد العداء مع السكان واستشربت قلوبهم شهوة السلطة واستحلوا المحرمات وَقَوَتْ شوكتهم، فنسوا واجبهم الرئيس في الدفاع عن الحدود، أصدرَ السلطان مراد الثالث حفيد سليمان القانوني أمراً بمنع شرب الخمور، فثار الانكشاريون فاضطر لإباحته. ولم يبقَ من الدينِ الإسلامي إلا اسمه، وَمُنِحَتْ امتيازات باهظة للترك على حساب القوميات الأخرى، من هذا التمييز القومي وُلِدَت الحركات القومية. اليوم يجتهدُ الإسلام السياسي للوصول إلى الحكم، حتى إذا نجحَ ارتكبَ ما كان يلوم أسلافه العلمانيين مِنْ تشدد ولا تسامح. ذكر الغزالي في الجزء الأول (بيان العلم الذي هو فرض كفاية) من كتابهِ(إحياء علوم الدين)إقبال علماء الدين على الدنيا(فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة.. ثم لا نرى أحداً يشتغل به ويتهاترون على علم الفقه لا سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى تولي الأوقاف والوصايا وحيازة مال الأيتام وتقلد القضاء والحكومة والتقدم به على الأفران والتسلط به على الأعداء هيهات هيهات قد اندرس علم الدين بتلبيس العلماء السوء فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ في أن يعيذنا من هذا الغرور). أحزاب إسلامية تحكم العراق منذ 2003، الفساد في ذروته بموازاة الانفلات الأمني وانعدام الخدمات. ذَكَرَ ابن عبد ربه في بداية العقد الفريد (وقال عديّ بن أرّطأة لإياس بن معاوية: دلّني على قوم من رجال الدين أولِّهم؟ قال له: هم نوعان: نوعٌ يعملون للآخرة ولا يعملون لك، ونوعٌ يعملون للدّنيا، فما ظنّك بهم إذا أنت ولَّيتهم فمكَّنتهم منها). مِصداقُ قولهِ تعالى(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)آل عمران: 152. وفي إنجيل مَتَّى(6:34)(فلا تقلقوا وتقولوا ماذا نأكل؟ ماذا نشرب؟ ماذا نلبس؟ هذه الأمور يجري وراءها أهل الدنيا. بل اطلبوا أولاً ملكوت الله وبِرُّهُ وهذه الأمور كلها تُعطى لكم بالإضافة). وقوله تعالى(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)الشورى: 20. السلطة ليست إثماً بذاتها، تغدو كذلك بعد فترةٍ وجيزة من غياب رقابة فعَّالة كما في الغرب، ونحن لدينا العقل الأسطوري كعبَّاد الشمس يدور مع الجاه والرجال ولا يعرف الحق فيخلق الطغاة.