التحدي الكردي... سينان أولغن
وليس من المعروف في هذه المرحلة هوية القتلة أو الدافع وراء قتل السيدات الثلاث، اللائي تربطهن جميعا صلة بحزب العمال الكردستاني. غير أن عملية الاغتيال من المرجح بدرجة كبيرة أن تكون محاولة لعرقلة المحادثات.
تهدف المفاوضات التي بدأت مؤخرا والتي شملت عبد الله أوجلان زعيم الحزب المسجون، وهاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية، إلى مخاطبة بعض أهم مطالب الأكراد مقابل وقف إطلاق النار في حرب العصابات الطويلة لحزب العمال الكردستاني ضد السلطات التركية، التي تبعها نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وفي نهاية المطاف، نبذ العنف المسلح.
لقد رزحت أكبر أقلية كردية في تركيا منذ فترة طويلة تحت نير القيود المفروضة على ثقافتها ولغتها، من بينها الافتقار لتعليم حكومي باللغة الكردية والعجز عن استخدام اللغة الكردية في التعاملات الرسمية والمحاكم. يسعى بعض الأكراد إلى مزيد من الاستقلالية للمناطق التي يهيمن عليها الأكراد في جنوب شرقي تركيا، ومعظمهم يرغب في خفض الحد الأدنى اللازم لدخول الأحزاب السياسية للبرلمان المقدر بنسبة 10 في المائة، الأمر الذي لا تستطيع الأحزاب الكردية تحقيقه. وقد بدت تلك الطلبات حتى الآن أشبه بلعنة بالنسبة لقادة تركيا الذين يخشون من أن يؤدي اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه إلى زعزعة الوحدة الوطنية.
تشكل حزب العمال الكردستاني في عام 1978، وفي ثمانينات القرن العشرين لجأ إلى العنف المسلح، تاركا مساحة محدودة لعقد تسوية سياسية.
كانت آخر محاولة للتوصل لتسوية مدفوعة بالحرب الأهلية في سوريا المجاورة، والتي قد غذت أيضا المطامح الوطنية الكردية. ومن وجهة نظر أنقرة، من شأن تسوية مع الأكراد في تركيا أن تحمي الدولة من الفتنة العرقية في سوريا، وأن تدعم السلطة الإقليمية في تركيا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن القيادة التركية ليست على يقين من أن أوغلان سيكون قادرا على إقناع القادة وأعضاء حزب العمال الكردستاني الآخرين بنبذ النزاع المسلح. إن المقارنة التاريخية مع آيرلندا الشمالية، حيث أدى وقف إطلاق النار من قبل الجيش الجمهوري الآيرلندي في عام 1997 بالمسلحين إلى الانفصال وتشكيل «الجيش الجمهوري الآيرلندي الحقيقي»، الذي ما زال يشن حملة إرهاب، تذكي مشاعر الشك.
أما عن أوجلان، فيجب أن تساوره بالمثل شكوك في أن الحكومة التركية مهتمة بأي شيء آخر خلاف نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
وللقضاء على مشاعر الشك المتبادلة، من المفترض أن تثمر المفاوضات خارطة طريق من خلال طرح إجراءات لتعزيز الثقة. سيكون من المتوقع من كل طرف أن يتخذ إجراءات معينة قبل الانتقال إلى الخطوة التالية. وتتمثل الفكرة في البدء بخطوة أيسر والمضي قدما في اتخاذ الخطوات الأكثر صعوبة مع تنامي الثقة.
على سبيل المثال، كخطوة أولى، من المتوقع أن تقوم الحكومة التركية بتمرير حزمة إصلاحات قضائية لإضفاء الصبغة القانونية على جميع الأنشطة السياسية السلمية، ومن ثم إطلاق سراح مئات النشطاء الأكراد من السجون. سيتم التعامل مع إجراءات أصعب وأكثر حساسية من الناحية السياسية، مثل نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني بشكل تام أو تحسين ظروف حبس أوغلان بجزيرة تركية، لاحقا.
والسؤال هو: هل سيسمح الكيان السياسي لتركيا بسير العملية في مواجهة المزيد من المحاولات لعرقلتها؟ لقد وظف حزب العمال الكردستاني بشكل متكرر في الماضي من قبل الخصوم الإقليميين لتركيا كأداة لاحتواء تأثير أنقرة. وفي تسعينات القرن العشرين، استضاف الرئيس السوري حافظ الأسد، أوغلان ومقاتلي حزب العمال الكردستاني المسلحين.. فضلا عن ذلك، فقد وجهت اتهامات لطهران من حين لآخر من قبل السلطات التركية بالمشاركة في ممارسات معادية مماثلة. وهذا سبب قوي للاعتقاد بأنه ستبذل المزيد من الجهود من قبل القوى التي تخشى من تنامي التأثير الإقليمي لتركيا لتشجيع الجناح المتطرف لحزب العمال الكردستاني على تقويض عملية السلام.
لكن هناك أيضا أسسا للتفاؤل.. ففي هذه الفترة، أظهرت جماعات سياسية محلية أخرى، من بينها حزب السلام والديمقراطية الكردستاني، وحزب المعارضة التركي الرئيسي في البرلمان، حزب الشعب الجمهوري، إحساسا بالمسؤولية. إن قيادة حزب السلام والديمقراطية تعتزم العمل كمنسق للمحادثات، وقد قدم حزب الشعب الجمهوري دعما واضحا للحكومة لإجراء المفاوضات.
يمكن، بل ويتحتم، اتخاذ المزيد من الخطوات. على وجه الخصوص، يجب أن يركز أصدقاء وحلفاء تركيا في الخارج جهودهم على مد يد العون للقادة السياسيين في تركيا في مقاومة أي اتجاه لترك طاولة المفاوضات قبيل التوصل لتسوية.
عن "الشرق الاوسط"