العالم يتذكر مأساة الشعب الكردي............فوزي الاتروشي - وكيل وزارة الثقافة
والمؤتمر صرخة لكي لا تتكرر الجرائم ولكي ينتعش الضمير العالمي بمزيد من التضامن والنصرة لشعب ملأت عناوين الكوارث والمحن تاريخه ولونته بالدم والدموع، لكنه رغم كل مسلسل المأساة يعيش الحاضر بعنفوان وبقوة ويسير نحو مستقبل يريده اخضرا وحافلا بالتسامح والتصالح وبعيدا عن المواقف الانتقامية الثأرية.. فالانتقام لايكون الا بالقسم بتوديع الماضي وعدم استنساخه ووضع آليات قانونية ودستورية وحقوقية لحماية حقوق الانسان والشعوب.
كان جميلا جدا ان المؤتمر لم يتوقف عند الخطب والوعود، فقد حضره مختصون واكاديميون وخبراء في مجال (الجينوسايد) وهذا مامنحه قيمة علمية اضافة الى القيمة الدعائية الاعلامية. فوزير الخارجية الفرنسي السابق (د.بيرنارد كوشنر) القريب جدا من الشعب الكردي كان ومازال يعبر عن استغرابه من صمت المجتمع الدولي حين ارتكبت جرائم الانفال وفاجعة (حلبجة). هذا الصمت الذي دفع في حينه النظام الدكتاتوري للاستمرار والتمادي في ارتكاب افظع الجرائم والتعمية عليها اعلاميا.
واتذكر حينها وكنت مسؤولا عن تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني في اوربا اننا اعتمدنا على فلم وثائقي من مسرح الجريمة في حلبجة هو الذي ساعدنا في تنظيم حملة عالمية مناصرة للشعب الكردي دعت اليها كل تنظيمات الاحزاب الكردية فعُرض الفلم في اكثر من دولة ومدينة وقمنا باعداد بوسترات وزعت بمئات الآلاف من النسخ في كل اوروبا لتصبح (حلبجة) ومأساة سكانها لاول مرة موضوعا في شوارع ومدن ومدارس ومنتديات الدول الاوربية ومن ثم ليصبح موضوعا للنقاشات في البرلمانات، ولاسيما في البرلمان الالماني.
اما جرائم الانفال وتدمير (4500) قرية وحرق وتدمير الارض والبشر من خلال سياسة الارض المحروقة التي اتبعها (علي كيمياوي) فقد كان التعتيم الاعلامي عليها مطبقا، وكان علينا الاعتماد على اية معلومة او وثيقة لتعرية النظام الدكتاتوري في ظل صمت عربي مريب حينها. لكن منظمة (مراقبة حقوق الانسان في الشرق الاوسط) الامريكية هي التي بادرت لاول مرة بعد انتفاضة عام 1991 لتوثيق هذه الجريمة البشعة بشكل مفصل ومستفيض واصداره على هيئة كتاب كبير باللغتين الانكليزية والعربية. وكان هذا العمل العلمي التوثيقي التحليلي الذي استند على الآلاف من الوثائق التي استولت عليها قوات الانتفاضة هو الذي وفر للعالم فرصة الاطلاع على جرائم غير مسبوقة في تاريخ البشرية. ان المؤتمر الذي انعقد مؤخرا هو جرس انذار لكي ينتهي عهد ويبدأ عهد جديد، لاسيما في ظل ثورة المعلومات العالمية التي جعلت من الحصار الفكري والتعتيم الاعلامي مهمة مستحيلة.. فالانظمة الدكتاتورية لاتستطيع الآن أن تخفي قبحها مهما حاولت أن تدفن رأسها في التراب، كما النعامة متصورة ان الآخرين لايرون عريها.
وفي الختام لايسعني الا ان اقدم الشكر الى الصحفي البريطاني صديقنا العزيز (روبرت كوين) الذي كان منذ البدايات الاولى احد الاوائل الذين كرسوا انفسهم للدفاع عن الشعب الكردي وعقد صداقة معه لا تنفصم وهو صاحب فلم (الرياح السوداء) الذي وثق لجريمة حلبجة وقصفها بالسلاح الكيمياوي، وكان دائما مع شعب تصور انه لايملك الا الجبال اصدقاء له، ولكنه وبيرنار كوشنر ومدام متيران (ام الاكراد) والكثير من المفكرين في بريطانيا والمانيا وفرنسا ودول اوروبية اخرى كانوا ايضا كما الجبال لصد سموم الجرائم عن الشعب الكردي.