بانوراما 2012: الربيع السوري هو الأعنف على الإطلاق ..........................نوري بريمو
فإنقلع واستلم نائبه الذي يقوم حالياً بتسيير الأمور و"يا دار ما دخلك شر"، وفي مصر خُلِع الرئيس وسُجِنَ وسقط نظامه وبقيت الدولة، وفي ليبيا قتل الرئيس وانهار نظامه ولم تسقط الدولة، أما في سوريا فمعظم الدلائل توحي إلى أنّ السيناريو قد يكون مختلفا فقد يسقط الرئيس ويسقط النظام وتسقط الدولة أيضا، في ظل انعدام مقوّمات التعايش المشترك شيئا فشيئا بين مختلف المكونات القومية والدينة والطائفية وخاصة استحالة إمكانية عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية بين العلويين والسنة بسبب استمرار حربهما الطائفية التي يبدو أنها ستستمر وتدمّر البنية التحتية وتحرق أخضر ويابس سوريا، مما قد يؤدي إلى إنهيار بنيان الدولة السورية ومن ثم تفتيتها وتقسيمها بعد إعادتها من الناحية الجيوسياسية إلى ما قبل عهود إبرام إتفاقية سايكس بيكو التي جزّأت المنطقة وأنشأت الدولة السورية التي كانت مجرّد ولايات متلاشية تابعة لنفوذ السلطنة العثمانية التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة حينذاك.
وفي سوريا اليوم وعلى أطلال مدن وبلدات وقرى تم قصفها بالجملة وتهدّمت بنسبة كبيرة فوق رؤوس أهلها الذين تشرّدوا في الداخل ولجأوا إلى دول الجوار وبقاع أخرى من هذه المعمورة التي لاتزال أسرتها الدولية تتفرّج على الراهن السوري الذي يشهد أعنف السيناريوهات على الإطلاق وسط أتون نزاع طائفي مرشح للإحتدام واندلاع حرب إقليمية أو حتى دولية إذا إستمر الصراع وتأزم أكثر مما هو عليه الآن!، يتبادر إلى ذهن المرء تساؤلات محيّرة باتت على لسان حال الشارع السوري الغائص في دماء أبنائه: عن أية حلول سياسية وتنحي سلمي وتشكيل حكومة إنتقالية يتحدث البعض وسط دوامة العنف والعنف المضاد التي تشهده سوريا التي بات أهلها يغرقون بالجملة في قاع بحر هذه الحرب التي تقتل وتهجر يومياً مئات الضحايا البشرية وتهدم البيوت فوق رؤوس أهلها، حيث وصلت البلاد إلى دروب مسدودة وفترة حرجة توحي إلى أن السلاح الكيميائي بات قاب قوسين أو أدنى من الإستخدام بلا أي رادع أو حساب لأحد؟، وعن أية مخارج سياسية يتحدث هذا المجتمع الدولي المتفرج؟، ألا يدري المعنيون بالشأن السوري بأن الأمور سائرة بإتجاهات أخرى لا أحد يستطيع أن يخمِّن تداعياتها ونتائجها؟، ألا يذكرنا هذا المشهد بالتجربة اليوغسلافية التي تصارع أهلها إلى حد حرج أدى إلى تقسيمها إلى ستة دول إعترف بها المجتمع الدولي رغم أنفه؟، وهل ثمة فوارق بين تجربتي يوغسلافيا ماضيا وسوريا حاضراً؟، ومالمانع من بلقنة أو أفغنة أو عرقنة بلاد الشام التي قد تتلاشى بعد هذا الكم الهائل من التدمير الذي لحق ويلحق بالبنية التحتية والبشرية في العاصمة وكبريات المدن وصغرياتها وحتى بلداتها وقراها؟، وهل صحيح أن النظام سيقسم البلد وسيسرق العاصمة وينقلها إلى طرطوس ويستولي على أسم سوريا ويطلقها على دويلته العلوية المتأهبة للإعلان عنها في أية لحظة؟ّ.
في كل الأحوال...إن كل هذه الأسئلة وغيرها واردة في الحسبان وأن وراء الأكمة السورية ما وراءها من إحتمالات ومفاجأت قد تكون سارة للبعض ومحزنة للبعض الأخر؟، خاصة وأننا نقف على أنقاض حرب قضت على الثورة السلمية التي إندلعت منذ قرابة سنتين وسدَت أبواب الحوار وأغلقت دروب الحلول السلمية، ولم يعد بالإمكان حصول توافق بين أطراف الصراع، مما قد يؤدي إلى الأفتراق أو الإنقسام على أسس قومية أو طائفية أو حتى مذهبية، فالأوضاع حبلى والأجنة تكبر والطلق يحمى يوماً بعد أخر بإنتظار سقوط الوليد لا بل التوائم من رحم الدولة السورية.
في حين وهاقد أشرفنا على نهاية الجولة فإنّ معظم الدلائل الميدانية توحي إلى أن الخيارات الدبلوماسية قد تم إعدامها وثمة خيارات عسكرية فارضة لنفسها وتلوح في الأفق السوري، بعد ان تم إغلاق كافة الأبواب والمنافذ المؤدية إلى مخارج سياسية لم تعد تنفع بفعل التحولات النوعية التي حدثت في الثورة السورية المتحولة حالياً إلى حرب بين أطراف سورية تتحارب فيما بينها بالوكالة في ساحة لا تخلو من الأجندات الإقليمية والدولية، وأبرز هذه الاجندات التناطحة هي محور الهلال الشيعي وتحالف القوى السنية المنتمية للمحيط العربي الذي يبذل ما بوسعه لإسقاط النظام العلوي والإتيان ببديل آخر يحكم دمشق ويعيدها إلى الحظيرة العربية السنية!.
إذاً فالحرب الجارية حاليا في سوريا هي حرب طائفية (شيعية وسنية) بإمتياز، وقد لا يستطيع أحد إخماد هذه النار المشتعلة بوقود الأحقاد والتارات والجراح القديمة العميقة والحديثة المتعمقة، وبما أن جبهة النظام تسير بإتجاه الإنحسار العسكري في ساحة المعركة فنحن بإنتظار هروب رأس النظام إلى مسقط رأسه وإعلان دويلته العلوية وإعتبار باقي المحافظات السورية التي خارج سيطرته بأنها أراض سورية محتلة!؟.