كيف يمكن لتركيا أن تتوصل إلى سلام مع الكورد؟.................... أليزا ماركوس
ويدعي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنه يسعى للتوصل إلى اتفاق يضع نهاية للحرب الدائرة بين الطرفين منذ ما يقرب من 30 عاما، ولكنه لم يتخذ الإجراءات الحاسمة واللازمة لأي عملية سلام تتسم بالمصداقية. وفي الحقيقة، لن يكون هناك أي أمل في التوصل إلى اتفاق سلام ما لم يدرك أردوغان أن مشكلة الكورد في تركيا تتعلق بالسياسة والهوية، وليس مجرد انسحاب المتمردين من تركيا والتخلي عن أسلحتهم.
ويقوم رئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان في الآونة الأخيرة بعقد مباحثات مع زعيم حزب العمال الكوردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، الذي تعقد أجهزة الاستخبارات التركية مباحثات معه منذ اعتقاله في شهر فبراير (شباط) عام 1999، ولكن دون جدوى.
وتتمثل المشكلة في أن أوجلان قد لا يكون الشريك المناسب للتفاوض، فهو محتجز في عزلة شديدة بمعتقل في إحدى الجزر، ويقوم ساجنوه بمراقبة كافة الاتصالات التي يقوم بها، ولم يتم السماح بدخول تلفاز إلى حجرته إلا قبل بضعة أيام، علاوة على أن الزيارات قليلة للغاية ولا تتم إلا بعد الحصول على موافقة، وهو ما يعني أنه غير مطلع على التطورات التي تشهدها المنطقة الكوردية في تركيا. ورغم أنه ما زال رئيس حزب العمال الكوردستاني، إلا أنه لا يسيطر بصورة عملية على العمليات اليومية التي يقوم بها المتمردون.
وحتى لو كان أوجلان يتحكم في تلك العمليات، فإن هذا الرجل المستبد لن يكون بالضرورة قادرا على ضمان الديمقراطية لكورد تركيا. وخلال إقامته في سوريا التي امتدت لما يقرب من عقدين من الزمان، عمل أوجلان على تعزيز سلطاته عن طريق قتل أو عزل منافسيه.
في الحقيقة، يتعين على أي اتفاق سلام قابل للتطبيق أن يلبي المطالب التركية في مجال حقوق الإنسان على نحو يحمي وجهات نظر جميع الكورد، وليس فقط التابعين لأوجلان أو لحزب العمال الكردستاني. وأفضل طريقة للقيام بذلك ستكون من خلال حزب السلام والديمقراطية الكردستاني، الذي فاز بمقاعد في البرلمان التركي عام 2011 والقادر حقا على تمثيل التطلعات الكوردية.
ويتعين على أردوغان أن يعترف بأن الطريق المؤدي إلى اتفاق سلام هو السياسة. وبدلا من الدخول في مفاوضات مع أوجلان وحده، كما لو كان تمرد حزب العمال الكوردستاني مشكلة أمنية بحتة، يتعين على أردوغان صياغة عملية سياسية تتناول المظالم الكوردية فيما يتعلق بالحقوق الثقافية والحكم الذاتي، وإعطاء المتمردين سببا لإلقاء أسلحتهم.
وحتى يتم إنهاء هذا الصراع، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 40.000 شخص وحد من قدرة تركيا على ممارسة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، يتعين على تركيا القيام بثلاثة أمور:
أولا: يجب أن يلتزم أردوغان بشكل قاطع بمفاوضات تشمل تنازلات من كلا الطرفين. يجب ألا تكون وحدة وسلامة الأراضي التركية مطروحة للنقاش من الأساس، بينما يجب أن تتطرق المفاوضات إلى أي أمر آخر. وبصفة عامة، دائما ما يرفض أردوغان المظالم التركية، وقال خلال إحدى المقابلات الشخصية في الآونة الأخيرة إنه لا توجد حاجة لأن يتعلم الطلبة الكورد بلغتهم الأصلية، لأنهم يستطيعون بالفعل أن يتعلموا تلك اللغة كمادة اختيارية. وبدلا من أن يقوم أردوغان بالتقليل من أهمية المطالب الثقافية للكورد، يتعين عليه أن يثبت حسن النية عن طريق تمرير الإصلاحات الدستورية والقانونية المعطلة، بما في ذلك التغييرات الطارئة على المواد الدستورية التي تقيد استخدام اللغة الكوردية في المدارس وتعاقب من يوجه انتقادات للدولة التركية وتحدد المواطنة من خلال الهوية التركية.
ثانيا: يتعين على أردوغان أن يفهم أن نزع سلاح حزب العمال الكوردستاني لن يحدث في بداية العملية السياسية، ولكنه سيكون في نهايتها. بالطبع، يمكن لأردوغان، بل ويتعين عليه، أن يطالب بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن لا يمكن أن يكون هناك دعوة من جانب واحد لاستسلام الكورد. وحتى تتمكن تركيا من وقف إطلاق النار من جانب حزب العمال الكوردستاني خلال المحادثات، يتعين عليها أيضا أن توقف عملياتها العسكرية ضد المتمردين في جنوب شرقي البلاد وفي شمال العراق.
ثالثا: لا يتعين على تركيا أن تقيد نفسها بالتفاوض مع رئيس صوري مستبد ومعتقل، ولكن يتعين عليها أيضا الدخول في مفاوضات مع حزب السلام والديمقراطية الكوردستاني الذي يتمتع باعتراف قانوني، على عكس حزب العمال الكوردستاني، علاوة على أنه يحظى بشرعية بين الكورد بسبب علاقته الوطيدة بحزب العمال الكوردستاني، كما أن أعضاءه لديهم نفس الأهداف السياسية لحزب العمال الكوردستاني والتي تتمثل في الحكم الذاتي للكورد والاعتراف بأوجلان زعيما للكورد، وهذا هو ما يجعل حزب السلام والديمقراطية الكوردستاني شريكا هاما للغاية في المفاوضات، علاوة على أنه قد يقوم بدور الوساطة فيما يتعلق بمطالب حزب العمال الكوردستاني ويساعد في التوصل إلى حزمة من الإصلاحات الديمقراطية في البرلمان.
ورغم أن حزب السلام والديمقراطية يهيمن عليه أعضاء موالون لحزب العمال الكوردستاني، فإنه لا يعد جزءا من المتمردين، ولديه خبرة العمل اليومي في ظل نظام ديمقراطي، فضلا عن أنه يدير نحو 100 مجلس محلي، كما يفهم قادته متطلبات الحكم في ظل نظام ديمقراطي. وقد يشعر حزب السلام والديمقراطية بالفضل لحزب العمال الكردستاني، إلا أنه لا يعتقد بالضرورة أن حزب العمال الكوردستاني دائما على حق.
ورغم ذلك، لا يمكن استبعاد أوجلان بصورة نهائية من المفاوضات، لأنه قائد أقوى جماعة كوردية في تركيا ويحظى بدعم ملايين الكورد الأتراك الذين يشكلون نحو 20% من إجمالي عدد السكان. وعلى هذا الأساس، ينبغي التشاور معه والتعامل معه باحترام، وستكون موافقته هامة للغاية لمنع احتمال تشكيل جماعة منشقة تلجأ إلى العنف لمعارضة التوصل لاتفاق سلام.
وللأسف، بدلا من دخول الحكومة التركية في حوار مع حزب السلام والديمقراطية فإنها تقوم بمضايقة الكثير من أعضائه. وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، تم اعتقال 8.000 ناشط كردي - من بينهم عمداء منتخبون وصحافيون ومحامون تجمعوا بصورة سلمية للمطالبة بمزيد من الحقوق الثقافية والسياسية - بتهمة العمل لصالح حزب العمال الكردستاني، ويواجه نحو 1000 منهم المحاكمة. في الواقع، لا يمكن لتركيا أن تطالب الكورد بالتخلي عن العنف، ثم تقوم هي باعتقال نشطاء سلميين.
تريد الحكومة التركية تحقيق الأمن والحفاظ على حدودها، في الوقت الذي استبدل فيه الكورد مطالبهم بالاستقلال بأهداف أكثر واقعية تتمثل في الحكم الذاتي وتعليم لغتهم الأم في المدارس العامة ووضع نهاية لاضطهاد النشطاء الكورد. ويريد الكورد أيضا أن يعود مقاتلو حزب العمال الكوردستاني إلى منازلهم وأن يتركوا قواعدهم الجبلية في كوردستان العراق وأن يشاركوا بحرية في السياسة الديمقراطية.
أردوغان ليس عاجزا عن الدخول في مفاوضات بشأن كل هذه القضايا، فقد نجح في تقليص نفوذ الجيش على السياسة المدنية، وهو ما يظهر أنه غير خائف من القتال، ويمكن أن تساعده نفس الشجاعة في قيادة بلاده نحو التوصل إلى توافق سلمي مع المواطنين الكورد.
* كاتبة أميركية ومؤلفة كتاب «الدم والمعتقد: حزب العمال الكوردستاني وكفاح الكورد من أجل الاستقلال»
المصدر : جريدة الشرق الاوسط اللندنية