تحليل حرب الشائعات ضد الكرد قادة وحكومة................عبدالغني علي يحيى
عود إلى العنوان، ان الشائعات في أكثريتها الساحقة مغرضة تصدر عن أناس أو مؤسسات سياسية، يستسهلون ترويج الاكاذيب والتهم الكيدية الباطلة وتنطبق عليهم مقولة مكيافيلي الشهيرة (الغاية تبرر الوسيلة) بحذافيرها. وفي أغلب الاحوال فأن الشائعات تؤدي دور الفتنة، (والفتنة أشد من القتل). وترقى الشائعات أيضاً إلى مرتبة الكذب و (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) كما قال النبي محمد (ص). وفي أحايين يصعب التمييز بين الشائعات وبين الحرب النفسية، وللشائعات وظائف أخرى مثل التشهير وتشوية السمعه..الخ
يعرف الدكتور عبدالمنعم شحاتة الأستاذ في علم النفس بكلية الأداب بجامعة المنوفية بمصر الشائعة كالآتي: (الشائعة هي ترويج لأخبار ملفقة لا أساس لها من الصحة من دون أدلة مادية تؤكد حقيقة حدوثها ولان ادلتها باهتة ضعيفة فهي تختلف عن الخبر الذي يأتي دائماً موثقاً بأدلة مادية تثبت وقوعه).
ان الذي يغري باستخدام الشائعة، أنها غير مكلفة مادياً، ناهيكم من انتشارها السريع، والشائعة في اللغة كما يقول طه هندي في مقال له بعنوان (الشائعات وخطرها على المجتمع) هي (الانتشار والتكاثر).
لقد كان عام 2012 عام حرب شائعات على عدد من البلدان بينها كردستان العراق والصين، حيث لم يخلو فيه اسبوع أو شهر من سريان الشائعات وبالأخص ضد أقليم كردستان العراق وقادتها وحكومتها، فلأجل رد الطعن بالموقف الصلب للرئيس مسعود البارزاني الذي رمى إلى سحب الثقة من حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، قال التحالف الكردستاني بتأريخ 18/6/2012: (ان لقاء بارزاني والمالكي شائعات مفبركة وموقفنا ثابت من سحب الثقة). عليه فان الشائعات هذه لم تبث إلا لأجل شق صف الأطراف التي سعت لسحب الثقة وإرباكها، ولقد افشل التيار الصدري عملية سحب الثقة فيما بعد.
ولغرض اضعاف الرئيس جلال طالباني أو الرغبة في انهاء دوره، سرت شائعات يوم 4-8-2008 عندما غادر إلى الولايات المتحدة لأجراء فحوصات طبية وعلاج ركبته اليسرى، قالت (انه تعرض للأغماء)!
اليوم وكما كان في السابق فان القادة هم الاشد استهدافا من جانب منظمي الشائعات، ففي الماضي لم يسلم حتى الأنبياء منها فلقد( أشيع عن النبي هود اصابته بالجنون فيما حارب فرعون النبي موسى بالشائعات التي روجها عنه كساحر) وفي معركة أحد نادت شائعة بمتقل النبي محمد (ص). لمزيد من التفاصيل بهذا الخصوص راجع المقال (الشائعات حاربت الأنبياء واسقطت الشعوب) لكاتبه نهى حسين (مجلة نصف الدنيا).
وظلت الشائعات تلاحق طالباني، نذكر منها على سبيل المثال، ماذكر زورا عن توسطه لتسهيل لقاء بين قياديين من حزب العمال الكردستاني (بكك) ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والتي ظهرت اثر الوقوف على موقف مؤيد وصارخ للأتحاد الوطني الكردستاني لحزب العمال الكردستاني، وتحديدا بعد الخطاب الذي القاه ملا بختيار عضو المكت السياسي للأتحاد الوطني الكردستاني في المؤتمر الثاني لحزب السلام والديمقراطية الكردي في أنقرة يوم 14-10-2012علما ان كاتب هذا المقال كان مدعوا بدوره لحضور ذلك الؤتمر، لكنه لم يتمكن من حضوره لأسباب قاهرة. وواضح ان الشائعات المشار إليها اتت بهدف اثارة الحكومة التركية على طالباني وربما لأهداف أخرى ايضا كما طالت الشائعات مؤسسات سياسية كردية نيابية واخرى حكومية كذلك، فخلال الحراك من أجل سحب الثقة من المالكي، نشرت جهات حكومية عراقية شائعة قالت ب:(وجود صفقة سرية بين ائتلاف (العراقية) و (التحالف الكردستاني برعاية (تركية) لضم مناطق من محافظة نينوى إلى اقليم كردستان). وفي حينه كذب النائب عن العراقية حميد كسار الزوبعي الشائعة تلك والتي توخت النيل اصلا من المطالبة الكردية الحقة بتلك المناطق أولا واحلال شقاق بين قادة العراقية انفسهم من الذين يختلفون في الرأي بشأن تلك المناطق.. وفي حدود الفترة ذاتها أشيع بأن الاسايش= الأمن الكردية تستعين بجواسيس النظام العراقي السابق في المناطق المتنازع عليها بغية امرار مخططاتها (الاساييش).
ويحتل إتهام حكومة اقليم كردستان العراق بالتعاون أو التواطؤ مع حزب البعث وقادة من العرب السنة من المتهمين بالأرهاب مساحة واسعة من الشائعات المناوئة للكرد وحكومتهم، فعلى أثر تصريح لسامي العسكري احد اقطاب الحكم في العراق في نهاية الصيف الماضي من أن عزت الدوري امين عام حزب البعث المحظور غادر كردستان من مطار أربيل، راحت الشائعات تتوالى عن علاقات بين حكومة الاقليم والنشاط العربي السني، ففي 25-9-2012 أشاعوا من أن ما يسمى بجيش العراق الحر سيعقد مؤتمره في أقليم كردستان بحضور كل من عدنان الدليمي والدكتور حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين، علاوة على رموز من السنة العراقيين غير الدليمي والضاري ، ولكي تكسب الشائعة مصداقيتها،فأنها سرعان ما تحولت الى تهمة عندما طلب محمدالهنداوي أحد رموز الحكومة العراقية من حكومة أقليم كردستان ان لا تسمح بعقد المؤتمر في كردستان. كل ذلك من غير ان يأخذ اصحاب الشائعة، بنظر الأعتابر، كيف ان مصادر في وزارة الداخلية العراقية ومعها ثلاثة من النواب عدوا بتأريخ 3-9-2012 (الجيش العراقي الحر) بانه مجرد (شائعة هدفها إفزاع المواطنين).
في 25-9-2012 كذلك زعم أن كلا من طارق الهاشمي النائب السابق لرئيس الجمهورية العراقية والدكتور حارث الضاري يسعيان إلى عقد مؤتمر في اربيل تحت عنوان (مؤتمر التضامن مع أهل السنة)!! لا شك أن منظمي الشائعات هذه رموا من ورائها الى تمهيد الطريق لاجل ملاحقة القادة الكرد على غرار ملاحقة القادة السنة من امثال الهاشمي والعيساوي وغيرهما.
والأغرب والأطرف من كل ماذكرناه، ان إحدى الوزارات في الحكومة العراقية، اتهمت حكومة كردستان بجلب حيوانات ضارية مفترسة ومتوحشة ومن ثم نشرها في المناطق الخاضعة للحكومة المركزية بغية الحاق الأذى والأضرار بأهلها، والذي يوحي بقيام حكومة كردستان بشن حرب بايولوجية ضد الحكومة العراقية والجماهير العربية في وسط العراق وجنوبه والذي يوحي ايضا وكأن حكومة كردستان قوة دولية عظمى على غرار الولايات المتحدة والصين وروسيا الاتحادية بحيث تقدر على ممارسة الحرب البايولوجية!!
المتتبع للشائعات المضادة لحكومة اقليم كردستان يجدها قد نمت وتكاثرت وتوسعت سيما في الشهور الأخيرة من عام 2012 ومرد ذلك هو تدهور العلاقات بين الحكومتين المركزية والكردستانية المتجهة نحو القطيعة والتصادم. ولدى الباحثين في الشائعات انها تزداد وتنتشر بالأخص في اوقات الأزمات والرجات السياسية والحروب والاضطرابات على أشكالها، وكما هو معلوم فان التأزم في المشهد العراقي بلغ ذروته في الشهور الأخيرة من العام الفائت 2012 كما أسلفنا، ففي 8-10-2012، اتهم بعض من الموالين للحكومة العراقية،وزارة شؤون البيشمركه بشراء الأسلحة من اسرائيل، فما كان من الوزارة المذكورة إلا أن تسارع لتفنيذ الأتهام أو الخبر.علما ان الخبر لم يتقدم بأي دليل لاثبات الاتهام، فالاسلحة سيما الثقيلة والاستراتيجية من الصعب إدخالها الى اقليم كردستان المحاط من جهاتها الأربع بدول لا تقيم علاقات دبلوماسة مع اسرائيل، فضلا عن ادعائها معاداة اسؤائيل. وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها خصوم الكرد باتهام الكرد بالعلاقات مع اسرائيل. ويبدو ان هذه التهمة جاهزة وتبقى قائمة حتى لو أقدمت جميع الدول العربية والاسلامية على الاعتراف باسرائيل واقامة اشكال العلاقات معها. وهناك فعلا علاقات بينها وبين اسرائيل منها دبلوماسية واخرى تجارية فقبل نحو اسبوعين من الان،ورد في تقرير لمعهد التصدير الاسرائيلي، ان الصادرات الاسرائيلية الى دول الاتحاد الاوروبي انخفضت مقابل ارتفاعها في الدول العربية! ولقد لزمت الدول العربية وماتزال الصمت حيال ذلك التقرير. لقد كانت الغاية من وراء إتهام القيادة الكردية الان وفي السابق، بالتعاون مع اسرائيل او إقامة العلاقات معها، هي لتاليب الرأي العام العربي على الشعب الكردي وحركته التحررية القومية، ومن ثم الحيلولة دون ظهور قوى ضاغطة في المجتمعات العربية لأرغام حكوماتها على حل القضية الكردية حلا عادلا يتضمن الاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي. وفي الوقت الذي باءت فيه المقاطعة العربية لاسرائيل بالفشل، فأن الشائعات الرامية الى اضعاف الكرد والقائلة باقامتهم للعلاقات مع اسرائيل،وان كردستان اسرائيل ثانية، نجحت أيما نجاح في تحقيق اهدافها حين افلحت بتبليد اذهان الجماهير العربية وجعلها متخلفة على مر العقود وزجها وعلى وجه الخصوص في العراق، في حروب ومعارك ضد الكرد. ان اكثرية الجماهير العربية العراقية ما برحت تحت سطوة تلك الشائعات، لذا امتدت حروبها ضد الكرد وقبلهم ضد مسيحي جنوب السودان وشعب الصحراء الغربية عقودا من السنين وما تزال، بالمقابل وجدنا الشعوب المثقفة في فرنسا وامريكا وبريطانيا كيف قامت بوضع حد وبسرعة لحروب حكوماتها في الجزائر وفيتنام..الخ، ان الشائعات لا تنطلي على الأمم المتقدمة المثقفة.
وعلى ذكرالشائعات بشأن العلاقات بين كردستان واسرائيل. بتاريخ 11-10-2012 انتشرت شائعة مفادها ان مسؤولين كرد في كردستان العراق عقدوا إجتماعاً مع مسؤولين في الحكومتين التركية والاسرائيلية حول سوريا ما بعد سقوط نظام الرئيس بشار الاسد. فما كان من قادة جنوب وغرب كردستان إلا ان يكذبوا الخبر الذي قالوا عنه بانه عار عن الصحة تماماً، والهدف من وراء هذه الشائعة، وضع الكرد العراقيين في محور ثلاثي تركي، اسرائيلي، كردي وجعلهم في الخندق المناهض لمحور: طهران، بغداد، دمشق، رغم ان القادة السوريين والأيرانيين ايضاً واحياناً بعض من القادة العراقيين، غالبا ما يتهمون تركيا وقطر والسعودية بالتدخل في الشأن السوري دون ذكر لتدخل كردي فيه.
ولخلع المصداقية على الشائعات تلك طالب عضو في أئتلاف دولة القانون بتأريخ 16-10-2012 حكومة اقليم كردستان بقطع (علاقاتها) مع اسرائيل!!
في 16-10-2012 ايضا نشرت صحيفة (السياسة) الكويتية خبراً اسندته إلى مصدر في التحالف الكردستاني على حد قولها، من ان الرئيس مسعود بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني طالبا بنقل معسكر أشرف التابع لمنظمة مجاهدي خلق الايرانية الى اقليم كردستان، غير ان المتحدث الرسمي باسم رئاسة أقليم كردستان الدكتور اميد صباح نفى الخبر وقال :(أن لا اساس له من الصحة). ولم يكن الهدف من وراء نشر الخبر سوى بث العداء للكرد بين صفوف الشيعة والحكومة الأيرانية كون هذين الطرفين يعاديان المنظمة المذكورة بشدة بسبب من ضلوع الاخيرة في اضطهاد العراقيين في انتفاضة عام 1991 وسعيها الى اسقاط نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية، ونسي منظمو الشائعة من ان الكرد بدورهم لا يودون المنظمة المذكورة.
حتى الجزء الخاضع من اقليم كردستان الى الحكومة الكردستانية طالته الشائعات المغرضة، ففي 15-11-2012 مثلاً ذكر مصدر في قضاء خانقين بمحافظة ديالى من أن 90% من عتاة الأرهابيين في القضاء يتواجدون في اقليم كردستان ويتسللون منه الى القضاء لتنفيذ العمليات الارهابية فيه، وكأن الاقليم قد تحول الى قاعدة ووكر للأرهابيين ضد المناطق الخاضعة للحكومة العراقيية، والكل يعلم انه بفضل السياسة الصارمة والموقف الحازم لحكومة الاقليم وعدم مهادنتها للارهاب، تراجع الاخير في كردستان وتوارى. ونتيجة ذلك فقد تحقق الأمن والاستقرار والسلام في كردستان. وبعد يوم من ذلك التأريخ أي في 16-11-2012 أطلت شائعة اخرى برأسها زعمت ان وزارة البيشمركة الكردية تنسق مع قيادة عمليات دجلة في المناطق المتنازع عليها، متجاهلة الرفض القاطع لتلك القيادة من قبل وزارة شؤون البيشمركة بل ومن قبل الحكومة الكردستانية وكل الاحزاب الكردستانية وجماهيرالشعب الكردي ، دع جانباً انه منذ اسابيع فان قوات البيشمركة تقف وجهاً لوجه وبالمرصاد لقيادة قوات عمليات دجلة. وكلما توسع التناقض بين بغداد واربيل واستفحلت المشاكل بينهما، عليه يجب توقع سيل من الشائعات في العام الجديد 2013 يكفي ان اشير على سبيل المثال لا الحصر، ان العام الجديد استهل بعدد من الشائعات، منها اتهام المجلس السياسي العربي في كركوك لحكومة اقليم كردستان وذلك في يوم 13-1-2013 لقيامها بتنفيذ اعتقالات عشوائية للعرب العراقيين القاطنين في اقليم كردستان، ما دفع بالتحالف الكردستاني الى توجيه انتقاد لاذع الى المجلس المذكور وتكذيب النبأ الذي أورده.
قبل فترة وفي معرض تناوله للشائعات، اطلق كاتب سياسي عربي تسمية (فاكهة الفاشلين) على مدبري الشائعات والمروجين لها، غير انه مع هذا تظل الشائعات خطراً على المفكرين والقادة والشعوب والاوطان.. الخ، واذا كانت الصين وهي دولة جبارة عظمى، قد قامت في نهاية عام 2012 بجرد حملة واسعة لمكافحة الشائعات والتي اسفرت عن اعتقال نحو 600 شخص من دعاة نهاية العالم وحلول يوم القيامة في شهر كانون الأول من العام الماضي، وكذلك الشائعات حول إصابة رئيسها بالمرض وغيرها من الشائعات، والتي لا بد وان يكون منظموها جهاتاً كونية لا ترتاح من التقدم المدهش للصين وهو كذلك، فكيف يكون الحال بالنسبة لحكومة وشعب كردستان العراق الجد صغير مقارنة بحكومة وشعب الصين، عليه وتأسيساً على ذلك، ما على حكومة وشعب كردستان إلا ان تحسب للشائعات الف حساب، لأنها تعمل لاجل القضاء على المكاسب التي تحققت للشعب الكردستاني على مدى السنوات ال 21 الماضية، وما عليها والحالة هذه إلا أن تأخذ على محمل من الجد الشائعات على اختلافها، فتقوم بتحليلها وتعيين لجان متأهبة لمتابعتها ورصدها ومن ثم تفنيدها فالسعي نحو التوصل الى تشخيص ومعاقبة ومقاضاة القائمين بها ومطلقيها. إن حرب الشائعات لاتقل عن الحروب الأخرى خطورة وهي بمثابة (الطابور الخامس) في الحاق الاذى بالشعب الكردي وكيانه الديمقراطي.