• Monday, 23 December 2024
logo

التحدي الكوردي....... *سينان اولگن

التحدي الكوردي....... *سينان اولگن
يبرز اغتيال ثلاث ناشطات كورديات في باريس بعد أيام فقط من إعلان الحكومة التركية عن بدئها محادثات سلام مع قائد حزب العمال الكوردستاني السجين، صعوبات إيجاد حل نهائي لأكبر مشكلات تركيا الداخلية صعوبة واحتداما.
وليس من المعروف في هذه المرحلة هوية القتلة أو الدافع وراء قتل السيدات الثلاث، اللائي تربطهن جميعا صلة بحزب العمال الكوردستاني. غير أن عملية الاغتيال من المرجح بدرجة كبيرة أن تكون محاولة لعرقلة المحادثات.
تهدف المفاوضات التي بدأت مؤخرا والتي شملت عبد الله أوجلان زعيم الحزب المسجون، وهاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية، إلى مخاطبة بعض أهم مطالب الكورد مقابل وقف إطلاق النار في حرب العصابات الطويلة لحزب العمال الكوردستاني ضد السلطات التركية، التي تبعها نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكوردستاني، وفي نهاية المطاف، نبذ العنف المسلح.
لقد رزحت أكبر أقلية كوردية في تركيا منذ فترة طويلة تحت نير القيود المفروضة على ثقافتها ولغتها، من بينها الافتقار لتعليم حكومي باللغة الكوردية والعجز عن استخدام اللغة الكوردية في التعاملات الرسمية والمحاكم. يسعى بعض الكورد إلى مزيد من الاستقلالية للمناطق التي يهيمن عليها الكورد في جنوب شرقي تركيا، ومعظمهم يرغب في خفض الحد الأدنى اللازم لدخول الأحزاب السياسية للبرلمان المقدر بنسبة 10 في المائة، الأمر الذي لا تستطيع الأحزاب الكوردية تحقيقه. وقد بدت تلك الطلبات حتى الآن أشبه بلعنة بالنسبة لقادة تركيا الذين يخشون من أن يؤدي اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه إلى زعزعة الوحدة الوطنية.
تشكل حزب العمال الكوردستاني في عام 1978، وفي ثمانينات القرن العشرين لجأ إلى العنف المسلح، تاركا مساحة محدودة لعقد تسوية سياسية.
كانت آخر محاولة للتوصل لتسوية مدفوعة بالحرب الأهلية في سوريا المجاورة، والتي قد غذت أيضا المطامح الوطنية الكوردية. ومن وجهة نظر أنقرة، من شأن تسوية مع الكورد في تركيا أن تحمي الدولة من الفتنة العرقية في سوريا، وأن تدعم السلطة الإقليمية في تركيا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن القيادة التركية ليست على يقين من أن أوجلان سيكون قادرا على إقناع القادة وأعضاء حزب العمال الكوردستاني الآخرين بنبذ النزاع المسلح. إن المقارنة التاريخية مع آيرلندا الشمالية، حيث أدى وقف إطلاق النار من قبل الجيش الجمهوري الآيرلندي في عام 1997 بالمسلحين إلى الانفصال وتشكيل «الجيش الجمهوري الآيرلندي الحقيقي»، الذي ما زال يشن حملة إرهاب، تذكي مشاعر الشك.
أما عن أوجلان ، فيجب أن تساوره بالمثل شكوك في أن الحكومة التركية مهتمة بأي شيء آخر خلاف نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكوردستاني.
وللقضاء على مشاعر الشك المتبادلة، من المفترض أن تثمر المفاوضات خارطة طريق من خلال طرح إجراءات لتعزيز الثقة. سيكون من المتوقع من كل طرف أن يتخذ إجراءات معينة قبل الانتقال إلى الخطوة التالية. وتتمثل الفكرة في البدء بخطوة أيسر والمضي قدما في اتخاذ الخطوات الأكثر صعوبة مع تنامي الثقة.
على سبيل المثال، كخطوة أولى، من المتوقع أن تقوم الحكومة التركية بتمرير حزمة إصلاحات قضائية لإضفاء الصبغة القانونية على جميع الأنشطة السياسية السلمية، ومن ثم إطلاق سراح مئات النشطاء الكورد من السجون. سيتم التعامل مع إجراءات أصعب وأكثر حساسية من الناحية السياسية، مثل نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكوردستاني بشكل تام أو تحسين ظروف حبس أوجلان بجزيرة تركية، لاحقا.
والسؤال هو: هل سيسمح الكيان السياسي لتركيا بسير العملية في مواجهة المزيد من المحاولات لعرقلتها؟ لقد وظف حزب العمال الكوردستاني بشكل متكرر في الماضي من قبل الخصوم الإقليميين لتركيا كأداة لاحتواء تأثير أنقرة. وفي تسعينات القرن العشرين، استضاف الرئيس السوري حافظ الأسد، أوجلان ومقاتلي حزب العمال الكوردستاني المسلحين.. فضلا عن ذلك، فقد وجهت اتهامات لطهران من حين لآخر من قبل السلطات التركية بالمشاركة في ممارسات معادية مماثلة. وهذا سبب قوي للاعتقاد بأنه ستبذل المزيد من الجهود من قبل القوى التي تخشى من تنامي التأثير الإقليمي لتركيا لتشجيع الجناح المتطرف لحزب العمال الكوردستاني على تقويض عملية السلام.
لكن هناك أيضا أسسا للتفاؤل.. ففي هذه الفترة، أظهرت جماعات سياسية محلية أخرى، من بينها حزب السلام والديمقراطية الكوردستاني، وحزب المعارضة التركي الرئيسي في البرلمان، حزب الشعب الجمهوري، إحساسا بالمسؤولية. إن قيادة حزب السلام والديمقراطية تعتزم العمل كمنسق للمحادثات، وقد قدم حزب الشعب الجمهوري دعما واضحا للحكومة لإجراء المفاوضات.
يمكن، بل ويتحتم، اتخاذ المزيد من الخطوات. على وجه الخصوص، يجب أن يركز أصدقاء وحلفاء تركيا في الخارج جهودهم على مد يد العون للقادة السياسيين في تركيا في مقاومة أي اتجاه لترك طاولة المفاوضات قبيل التوصل لتسوية.
* رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية، وهو مركز بحثي مستقل في إسطنبول، وأستاذ زائر بمركز «كارنيغي أوروبا» في بروكسل.


خدمة «نيويورك تايمز»، صحيفة الشرق الاوسط
Top