كوردستان سوريا بين مطرقة النظام وسندان المعارضة....................................نوري بريمو
في مربع الإنهيار والسقوط الحتمي، ورغم المرونة المطلقة التي يبديها الجانب السياسي الكوردي منذ البداية حيال إئتلافات ومجالس المعارضة السورية المتشكلة تباعا الواحدة تلو الأخرى، إلا أنّ كوردستان سوريا تعاني الأمرّين وماتزال محصورة بين مطرقة النظام وسندان المعارضة، في حين يمضي الوقت لصالح رافعي شعار (وجوب تأجيل كافة الخصوصيات وإعطاء الأولوية لإسقاط الأسد)! ووفق هذا المنوال الفوقي يحاول البعض إبقاء الملف الكوردي مغلقا والقضية الكوردية عالقة برسم الوعود الخلبية والتسويفات الوهمية، على النحو الذي كان ينحوه النظام الحالي وعلى غرار ما كانت تفعله الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلد منذ جلاء الفرنسيين وحتى الحين.
وبهذا الخصوص الحساس للغاية، لأنه يخص حاضر ومستقبل الشعب الكوردي الذي يُعتبر ثاني أكبر قومية في سوريا ويزيد تعداده عن 3 ملايين إنسان محروم من كافة حقوقه المشروعة، لا يختلف إثنان بأنّ بلـْوَرة الحلول والمخارج لمثل هكذا قضية حيوية، لن تتم بنجاح إلا عبر إعطاء الأولوية للحوار الوطني عبر جلوس كل الفرقاء السوريين حول طاولة مستديرة تلم شملهم جميعا دون استثناء وتتيح الفرصة للبحث في ثنايا القواسم المشتركة وفتح مختلف الملفات ودراستها بشكل مكاشفاتي والبت بإستحقاقاتها ووضع أسس توافقية جامعة وليست مفرّقة، تكفل طموحات كافة المكونات وتعطي لكل ذي حق حقه كشريك في الحقوق والواجبات وإدارة البلد، وإنّ أي إجراء آخر مخالف لهذا المسعى كالإقصاء أو الشطب أو التأجيل أو التهرب الناجم عن تفكير أكثري مايزال مع الأسف يطغى على عقلية وسلوك بعض الأطراف التي تعتبر نفسها وصية على الدولة والمجتمع، قد يُعسّر ولا يُيسّر وقد يعرقل الأمور بدلاً من أن يسهّـلها، في حين نجد بأنّ مصلحة السوريين بمختلف أطيافهم تستوجب الإسراع في الإعتراف بالآخر والإحتكام لجادة صواب التشاور والمصارحة التي تـُعتبَر درعاً واقياً وسبيلاً لا بديل عنه في مسرى التحضير للإتيان بنظام تعددي إتحادي إلى ربوع سوريا التي لطالما عانت من مظالم النظم المركزية الدكتاتورية التي ينبغي إلغاءها من ذاكرة الإنسان السوري إلى الأبد.
ولعلّ من المفيد التأكيد بأنّ الراهن السوري سيتغيّر نحو إنتصار الثورة والإنفراج السياسي وأنّ موديل إستفراد أي طرف بمقدرات البلد سينحو في خبر كان بمجرّد أن يرحل نظام الأسد بلا رجعة، وبالتالي فإنّ على السوريين الإبتعاد قدر المستطاع عن الرهانات الخاسرة كالمراهنة مثلاً على أن تكون الغلبة والسلطة للأكثرية السكانية أو المقامرة بتحريك الأقلية لتلعب أدواراً معطلة في الحراك الثوري والعملية السياسية، وفي هذه الحالة فإنّ أسلم الخيارات أمام أهل سوريا هو خيار أخذ الأمور على بساط البحث لنيل التوافق السياسي الكفيل بحل أصعب المشاكل وإزالة مختلف المعوقات التي قد تعترض السبيل.
لكن يبدو أن المعارضة السورية تريد أن تلعب لعبة كسب الوقت مع باقي المكونات السورية (كورد، علويين، سريان، دروز، آثوريين وتركمان... إلخ)، فهي تحث الجميع على إعطاء الأولوية لإسقاط النظام بدون إيلاء أية خصوصية لأي مكون قومي أو طائفي أو ديني أو غير ذلك في هذه المرحلة الإنتقالية، وتتعامل مع الجميع بشكل تهويشي وبلا إعطاء أية ضمانات أو أي حق لأي طرف آخر، وحين اللزوم يعتمدون لغة الإستعجال والإستغفال والقفز من فوق الواقع التعددي في سوريا.
وإنّ ما يبعث على الإستغراب هو أن غالبية مجالس وإئتلافات المعارضة السورية الحالية (ذات الأكثرية العربية السنية) مصرّة أن تكيل الملفات الداخلية بعدة مكاييل فهي تعطي الحق لنفسها وتشكل هيئة عليا للأركان وقيادة عليا للجيش الحر وأيضا حكومة إنتقالية مؤقتة. وفي الوقت نفسه تحجب مثل هذا الحق عن الأخرين بحجة أنه ليس من صلاحياتها تثبيت الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي مثلا! أي أنّ ائتلافات الأكثرية السنية تسمح لنفسها ما تمنعه على باقي شركائها في هذا البلد المحتاج لإعادة بنائه من جديد ووفق أسس ديموقراطية إتحادية من شأنها تقوية وتعزيز وحدتها الداخلية ومكانتها الخارجية.
ولكي لا يقوّلنا أحد ما لم نقله في هذا المقال أو غيره، فإن الجانب الكوردي أكد منذ البداية بانه جزء من الثورة السورية ويقف بالضد من نظام الأسد الديكتاتوري، وبناء عليه ورغم تقصير قوى المعارضة حيال القضية الكوردية، فإن الشعب الكوردي سيواصل سعيه لإسقاط هذا النظام الذي أستبد بالبلاد والعباد على مدى خمسة عقود عجاف.