• Monday, 23 December 2024
logo

"ثورة الشيخ سعيد بيران من منظور عائلته" الكاتب بوصفه شاهداً

فتح الله حسيني



يقف كتاب "ثورة الشيخ سعيد بيران من منظور عائلته" شاهداً حياً وعن قرب على واقع ثورة الشيخ سعيد بيران التي أشعلت في كردستان تركيا وتم اخمادها بوحشية تامة من قبل السلطات التركية في العام 1925، حيث أن الكتاب مجموعة من المشاهدات من منظور عائلة قائد الثورة، دونها ابن شقيق الشيخ الشهيد سعيد بيران، ويقف، المؤلف، في الكتاب على مسافة واحدة من جل الأحداث التي رافقت اندلاع الثورة وقسوة إخمادها، وحالة الثورة في جبال كردستان، تلك الثورة التي أصلاً كانت رداً واضحاً وصاخباً على الظلم والاضطهاد الذي مارسه المحتلون الأتراك تجاه الكرد من خلال السياسات الشوفينية التي نفذوها بحقهم وبهف قمع ثورتهم وانتفاضتهم.

يوثق الكتاب بكثير من التشخيص والتفصيل مجمل سياسات نكران الذات لدى الثوار الكرد، بالمقابل توضيح وتفصيل سياسات المراوغة والمكر والمؤامرة والضرب بوحشية التي كانت أبرز خصال العساكر والجندرمة الأتراك في وجه ثوار الشيخ سعيد، لتكون ثورة حرية، وفي أعين العساكر الأتراك وقادتهم أعمال شغب وتمرد من أجل اللاشئ، لذلك استوجب تأسيس جيش باسم "فرسان الحميدية" أبان عهد السلطان عبدالحميد، ذلك الجيش الذي كان له دوره البارز والواضح في معاداة الحركات والثورات الكردية والذي أستمر عهدها ودوره البارز في القمع أبان تأسيس جمهورية تركيا الحديثة وتسنم كمال أتاتورك سدة الحكم على أساس دولة علمانية ليكون لـ "فرسان الحميدية" دورهم الجلي في فشل تلك الثورات والانتفاضات الكردية ومنها ثورة الشيخ سعيد بيران.



سياسة مصطفى أتاتورك:

كان مصطفى كمال أتاتورك كريئيس للجمهورية التركية الحديثة، قبل وبعد ثورة الشيخ سعيد، يشكل المصدر الأقوى للقرارات والفرمانات العسكرية، وكان يعتبر عودة الخلافة والسلطة العثمانية ميزتين رئيسيتين لثورة الشيخ سعيد بيران، ضد الجمهورية التركية، وكان يعد هذا العمل وهذه الصورة تحريضاً من الدول الامبريالية ضد وحدة البلاد والشعب، فكان يرى أتاتورك أن ثورة الشيخ تهديد خطير على مكتسبات الجمهورية التركية وكانت الثورة سبباً في أن يذهب أتاتورك الى مدينة ديار بكر ويعلن نفسه قائداً للفيلق الثاني للجيش، واستطاع أن ينسج علاقات قوية، بعد أن كثب ثقة الكثرين من أهالي المنطقة، فتقرب من العشائر الكردية، حتى اعتقد البعض ان مصطفة كمال أتاتورك، هو شخص كردي فكان يحسب الحساب للسلطة والخلافة معاً، رغم أن أتاتورك كان يعتبر الشعب التركي قوة واحدة، ويقول بأن الأتراك كأصابع اليد مرتبطين ببعضهم البعض، وأن الكرد هم واحد من تلك الأصابع ويقوي من عزيمة أهالي الأناضول على بناء هذا البلد، بلاده على أية حال كما كان يصف، حيث بلاداً كاملة على اسم شخص واحد.



الشيخ ومرحلة الفناء:

يتقدم الشيخ سعيد، بثبات الى منصة الموت، ليكون الكلام الأخير والفصل للشيخ أمام حبل المشنقة "أفضل عمل نفعله هو أن نظل راكبين خيولنا وبأيدينا أسلحتنا، فلو لم نفعل ذلك فإنه من المستحيل تحقيق النصر دون تضحيات ونضال وعذاب، على كل منا أن يأتي بأولئك الذين يحبهم كبؤبؤ العين، ويلبسهم الخوذة العسكرية ويحملهم أسلحتهم ويرسلهم الى جبهات القتال، وليكون الموت طعم السكر لدينا".

أثر صدور قرار حكم الإعدام على الشيخ سعيد في محكمة الاستقلال، قام الشيخ بالقاء كلمة على الثوار الذين كاناو ضمن ثورته، فيقول "لقد أظهرتم موقفاً مشرفاً بشجاعتكم وعدم استسلامكم، لقد صنتم قداسة الصداقة، لن يموت الشعب الكردي باعدامنا، أنما على العكس سوف يزيد من عزيمة النضال، فلن يرضى الله عن إمرء إن لم يكن الشعب راضياً عنه، نحن ناضلنا وضحينا من أجل كردستان، وهذه الحقائق سيطلع عليها أحفادنا".

عندما أخذ الشيخ سعيد الى حبل المشنقة مع رفاقه تقدم قائد الفيلق السابع، واسمه مرسل بشت، نحو الشيخ وحل القيد من يديه وقال "خذ هذه الورقة يا شيخ وأكتب لي شيئاً كي أحتفظ بها كذكرى"، فكتب الشيخ "الظالمون قلوبهم مليئة بالسواد الى درجة أنهم لا يستطيعون أن يفكروا بشكل انساني صحيح وإعلموا بأنكم باعدامكم لي وللثوار لن تنجحوا في قطع الطريق أمام نضال الشعب الكردي الذي سوف ينتقم منكم، لقد تركنا لشعبنا تجربة صغيرة سوف يستفيدون منها".

ثورة الشيخ سعيد ثورة أرخت لمرحلة الثوارات الكردية في ظل انتفاضات وثورات لم ولن تنتهي، حتى ينتزع الشعب الكردي حقوقه القومية المشروعة في ذلك الجزء الكبير من وطننا كردستان، وهذا ما أراد الكتاب قوله بقوة، وترجمه صديقي الكاتب والمترجم علي شمدين بلغة سلسة وممتعة وجميلة.
Top