"سليمة مراد" نقش على ذاكرة الفن الماضي
قدمت قناة الشرقية من خلال شهر الرمضان المنصرم والذي يعاد بثه هذه الايام ، مسلسل الذي يتناول سيرة حياة الفنانة العراقية اليهودية " سليمة مراد " التي اشتهرت بلقب " سليمة باشا " نظرا لصوتها الجميل وطلتها المحببة ، وأغانيها المتميزة ، حيث اجتذبت الكثير من الجمهور نحو صوتها . تستعرض حلقات مسلسل سليمة مراد مختلف المراحل والمحطات الهامة في حياة الفنانة العراقية التي أثبتت موهبتها في عالم الغناء ( امتدحها العديد من كبارالمطربين والمطربات ولعل أشهرهم كانت كوكب الشرق ام كلثوم في زيارتها للعراق ) ، كما يتناول مسلسل سليمة مراد علاقتها بزوجها الفنان المعروف ناظم الغزالي ، وما تعرضت إليها من عواصف غيرت من مجرى حياتها أكثر من مرة .
المسلسل الذي كتبه فلاح شاكر من انتاج الفنان صلاح كرم واخراج الفنان باسم قهار والذي قدم سيرة الفنانة سليمة مراد بطريقة درامية ، كان ذو قيمة فنية كبيرة بالقائه الضوء على تاريخ صوت نسائي من أشهر الأصوات العراقية بل والعربية . يتضمن المسلسل بعض الشخصيات والوقائع والأماكن المختلفة والتي تمت للحقيقة بصلة ، وتجسد الفنانة آلاء حسين دور الفنانة الراحلة ، في حين يجسد الفنان علي عبد الحميد دور المطرب الكبير ناظم الغزالي . ويؤدي الفنان سنان العزاوي بدور حسقيل مدير اعمالها ، وتشارك الممثلة سناء عبد الرحمن في دور شقيقة سليمة مراد . وقدمت سليمة مراد من خلال المسلسل عدة اغاني من الحان صالح الكويتي وداود الكويتي بشكل متميز ، ومن أشهر اغانيها (ايها الساقي اليك المشتكى) و(قلبك صخر جلمود) و(يا نبعة الريحان) و(الهجر) وغيرها .
حيث قدم مسلسل سليمة مراد قصة حياة الفنانة العراقية بكل ما فيها ما ثراء فني واجتماعي ، لان كانت الفنانة سليمة باشا مغنية قديرة و تـُعدُّ من ألمع نجومه المشيعة ما يتيح لها انطلاقها في الغناء من الأنس ومراح النفوس ، واخذت من الفن حظا وافرا وصيتا بعيدا فكانت فيه البلبلة الصداحة المؤنسة ، حيث فتنت المسؤولين والشعراء والكتاب الذين ألفوا عنها ونقلوا ما كانت تقول من كلمات مغناة ، وانها صدحت بأرق الكلمات وأعذبها أيام كانت بغداد تحتضن الفن والطرب ، لقد تبين من المسلسل كيف حظيت باهتمام بالغ عند جمهورها والمسؤولين في الدولة بحيث يترك المسؤولين مقار اعمالهم ومن بينهم مدير الشرطة العام علي حجازي والضباط لوحداتهم العسكرية من أجل أن يحظوا بليالي الحب والحنان في ملهى من ملاهيها لستمعوا الى صوتها الغلابة ، وينظروا في وجهها وجسمها الممتلئ وتتمايل مثل غصن البان ، لان قلما تجد فنانا تجتمع فيه الخصال : الشعر والموسيقى والاداء والصوت .
حيث جرى تصوير مجمل مشاهير وأحداث المسلسل في أجواء مدينة بغداد القديمة وفي البيوت الأثرية البغدادية ، لتجسيد البيئة التي عاشتها المطربة في محلات بغداد القديمة والمشاكل التي تعرضت لها في حياتها ، ومن خلاله يلقي في مجمله الضوء على احوال اليهود في العراق في ثلاثينات القرن الماضي والتي عاصرت سليمة مراد فيها حقب تاريخية وسياسية مَر بها يهود العراق طيلة تلك الفترة ، وكشف المسلسل لأن عملاء الموساد في العراق كانوا يقومون بإرهاب يهود العراق لدفعهم للهجرة إلى إسرائيل ، وكانوا يلقون المتفجرات على أمكنة تجمع اليهود العراقيين لدفعهم للهجرة وترك العراق وذلك بمساعدة الحكومة العراقية التي شُرِّع قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود العراقيين وتسفيرهم إلى إسرائيل ، وهذا يعيد المسلسل لأفهامنا ذكريات ما وعيناه من الأحداث السياسية التي وقعَتْ في غضون بداية القرن العشرين .
وأشر المسلسل الى شخصية يهوديَّة معروفة وقتذاك في الوسط الثقافي العراقي هي : أنور شاؤول المحامي الأديب والصحافي والقاص والشاعر وجسد هذا الدور الفنان "طلال هادي"، ومعلنا فيها ولاءه لوطنه العراق وارتباطه بالشعب العراقي وثقافته وتاريخه ، صيدته في استذكار مؤامرات الصهيونية واستنكارها ، غير أنـَّه بعد مدَّة حنث بما ادَّعاه وهاجر من العراق ، ميمما وجهته صوب إسرائيل . وجرت الاشارة الى احدى العوائل لاحتضانها الفن والادب وجسدت هذا الدورالفنانه المتالقه سوسن شكري والمبدع كاظم القريشي الذين فتحوا دارهم لاستقبالهم فيه ضيوفهم ، وذلك رعيا منهم للأدب والفن ، وكان يحضره ابرز رجالات السياسة والادب والفن والثقافة في بغداد .
لقد تبين من المسلسل سيرة ذاتية لـ " سليمة مراد " وحضورها المتميز في ذاكرة الفن العراقي من خلال أكثر السنوات التي زخرت بعطائها الفني ومنحها دفئاً وراحة وطمأنينة الى المجتمع العراقي ، وتمسكها بعراقيته ورفض الهجرة الى اسرائيل . وكذلك يتناول سيرة عن حياتها على الصعيدين الفني والشخصي من سن المبكر الى وفاة زوجها " ناظم الغزالي " ، التي لعبت دوراً مزدوجاً بين الفن والمجتمع .
محمود الوندي