المالكي ودوائر اللعبة........* إبراهيم ملازاده
والصفة الثانية؛ انشغال المكونات العراقية بهذه الأخبار الأمنية لإلهاء العراقيين عن تراجع الخدمات وعدم مقدرة هذه الحكومة على بناء دولة مدنية قائمة على العدالة الاجتماعية وسيادة القانون إلى جانب نشر الأمان للمكونات العراقية كل.
المتابع للشأن العراقي لا يجد صعوبة قصوى في تفكيك الدوائر التي يلعب داخلها المالكي من الطابع الطائفي التابع لإيران والعقلية الميليتارية وفسح المجال للفساد المالي عن طريق مشاريع وهمية ودوائر فارغة، نتيجتها ما آلت إليه الأوضاع في العراق من ضرب قيادات عراقية معروفة على رأسهم الهاشمي بتهم الإرهاب ومحاولات تفكيك البنى السياسية للمكون السني في العراق وإظهار المكون الكردي خاصة حكومة الإقليم بابتزاز حكومة المركز وخرق الدستور، وإثارة بعض الدوائر الشيعية من أجل استقطابها لصالحه.
وكنتيجة لسلوك المالكي هذه، علينا معرفة ما الذي يريده المالكي من تحشدات عسكرية في مناطق ما يسمى بالمتنازع عليها؟ ما الذي يهدف إليه المالكي من عسكرة العراق؟ لماذا لم يتوجه المالكي لبناء عراق القانون كما سمي قائمته بها؟
بداية، إذا اقتربنا من النظرية الوصفية والتي صاغها علماء اجتماع كبار خاصة إيميل دوركهايم، من أجل بلورة فكرة الدولة المبنية على القانون واندماج المكونات في بنيتها لصياغة فكرة المواطنة الحقيقية، كدعامتين أساسيتين لدولة مدنية عصرية، نجد أن مثل هذه الدولة تتحول تدريجيا من التضامن الميكانيكي والتي تتسم ببدائيتها وتشابه العمل فيه إلى التضامن العضوي والتي تؤدي إلى توزيع العمل في جميع أنواع مكونات الدولة، والتي شبهها دوركهايم وآخرون بجسد الإنسان. فإذا أصيب عضو منها كمثل الجسد بأي عاهة سوف تعكس تأثيره على جميع أعضاء الجسم الأخرى، وبذلك نكون أمام جسد مبتلى بعاهة دائمة ودولة تبتعد مكوناتها بعضها عن بعض، وتؤدي إلى شلل كامل في هياكلها ومؤسساتها.
كان على الحكومة العراقية العمل داخل دوائر دستورية وقانونية من أجل بناء دولة تضع استراتيجية متوسطة المدى لنقل البلد إلى مرحلة التضامن العضوي، وذلك بتوفير أرضية ملائمة لجميع مكونات العراق بالتحرك باتجاه دولة مدنية تحمل مناعة كافية من أجل العبور إلى دوائر متكاملة تمسك بعضها البعض. أيضا العمل على حياد السلطة القضائية ومهنية السلطة التشريعية وذلك بإظهار السلطة التنفيذية كمؤسسة في خدمة جميع المكونات وتظهر حرصها عمليا على توفير الحريات كل كما نص عليها الدستور والعمل على تهميش الروح الطائفي والآيديولوجي بين مكونات العراق والتهيئة لاجتثاث هذه الأفكار بشكل نهائي. وكل هذا يكون بتهيئة أرضية مناسبة ماديا وإعلاميا من أجل اندماج سريع ومؤثر في بنية الدولة العراقية.
ما سبق ذكره، عملية مبرمجة ونهج ديمقراطي عصري للتوجه إلى بناء دولة عصرية خالية من جميع أشكال العنف والتهديد والوعيد ودوائر مشبوهة ومظلمة. في مثل هكذا بناء، تتغير الأدوار، والوصول إلى المصالح تأخذ مجراها ضمن عملية قانونية قائمة على أساس صراع اجتماعي سلمي. لأن في هكذا أوضاع الكل يفكر في إيجاد مؤهلات خاصة به لكي يعرض نفسه ضمن توفير العمل للجميع داخل بنى مهيأة مسبقا لتكافؤ الفرص وازدهار المجتمع.
ما نراه اليوم من دوائر تتبادلها الحكومة واحدة تلو الأخرى لإجهاض أي تضامن اجتماعي داخل المكونات العراقية وإرساء سياسة «فرق تسد» ضمن الآيديولوجية الداروينية الاجتماعية من أجل الوصول إلى أهداف شخصية وطائفية وتنفيذ برامج غريبة ودخيلة لا تخدم مصالح المجتمع.
ولتكملة ما بدأه المالكي من «الغاية تبرر الوسيلة»، من ضمنها ضرب قيادات سنية رئيسية، حركت قوة عمليات دجلة لثلاثة أهداف أساسية. أولها: أنه وتحت غطاء تحجيم الطموح الكردي، يعمل على ضرب آخر معاقل المكون السني والتي تحرك في مناطق التماس باتجاه المناطق ما يسمى بالمتنازع عليها. والمكون السني أدرك ذلك سريعا حينما ضربت قوة تابعة لعمليات دجلة في تخوم تكريت وتم عطب ست مدرعات وتكبدها خسائر فادحة في الأسبوع الماضي، كما جاء في الأخبار، مع أنهم حاولوا التكتم عليها. والهدف الثاني؛ هو إظهار قيادة المالكي على أنها حريصة على وحدة العراق، وإنهاء الإرهاب في تخوم حمرين ومناطق ديالى وكركوك، وأيضا تحجيم طموحات إقليم كردستان، ضمن دائرة مصالح تكتل المالكي لجذب الأصوات السنية للفوز في الانتخابات المقبلة. ففي الحالتين المستهدف هو المكون السني بضرب رؤوسها المتوسطة المتبقية، واستقطاب عوامها ضد المكون الكردي لصالح دوائر المالكي الانتخابية. وثالث الأهداف؛ وأخيرا، هو فرض نوع من الهيمنة السياسية والأمنية على المكون الكردي خاصة على إقليم كردستان. وإلا فإن المالكي قبل غيره يعرف معرفة تامة بأن تشكيل وتحريك هذه القوات ضد الإقليم نتيجتها معروفة مسبقا، ولا يخدم مصالح أي طرف عراقي خاصة الشيعي، وبالأخص معرفة مالكي الجيدة بتعقيد مشكلة هذه المناطق داخليا وخارجيا.
واجب الحكومة ورئيسها بشكل خاص هو حماية أمن البلد وسلامة المواطنين، وليس نشر القلق والفوضى في ربوع الوطن.
* كاتب وباحث اجتماعي من كردستان العراق
عن صحيفة الشرق الاوسط