• Sunday, 25 August 2024
logo

وقاحة كبرى

وقاحة كبرى
حسين فوزي



في الأدب السياسي هناك حدود لكل شيء، بالأخص اختيار مفردات الحديث عمن تختلف معه، ورغم كل العداء الأميركي لكوبا الشيوعية، فأن واشنطن، قلعة الرأسمالية، لم تنسَّ ابداً انها دولة عظمى وكوبا مجرد دولة صغيرة على اطرافها، والتاريخ المشترك في “النضال” من اجل الحرية.

وما ينطبق على الدول ينطبق على السياسيين افراداً، فللكلمة وزن يعبر عن مصداقية المتحدث وقيمه وثقلها الحقيقي، والسياسيون قلما يميلون للترويج للكوارث، لكن هذا لا يمنع من التلميح لها لتبرئة انفسهم من قصر النظر، فحتى لحظة الهجوم العسكري الياباني على بيرل هاربر عام 1941، كانت واشنطن ترومان تدير علاقات دبلوماسية متطورة مع طوكيو، بل كانت هناك بعثة عسكرية يابانية رفيعة في زيارة الولايات المتحدة، لكن الرئيس ترومان كان يريد الهجوم الياباني لتبرير دخوله الحرب العالمية الثانية ونجدة بريطانيا.

عندنا تقرع طبول الكوارث مبشرين بها قبل وقوعها، وكثيراً ما نحث الخطى نحوها وليس لمنعها، في تصعيد غير متوازن لأي مشكلة داخلية او مع الجوار، متخطين كل المحذروات ومتناسين كل الإرتباطات، مما يؤكد مجموعة مؤشرات: أن مصعدي الأزمات ومتصيديها يغلبون مطامعهم للأستحواذ على دائرة الضوء والنفوذ بغض النظر عما يؤول له حال المجتمع والضررالذي يلحق بالبلاد. وغياب اية استراتيجية داخلية او خارجية، واخيراً التدني المروع في الوعي باللياقات في التعامل مع الآخر، سواء أكان مواطناً او قوة سياسية أو اقليماً عراقيا او دولة من دول الجوار وبقية العالم.

والأخطر ان من ينتهزون ركوب موجات الخلاف والصراع باتوا في لعبتهم لا يعرفون حدوداً لإندفاعهم غير العقلاني، فوصل الأمر حد التعرض لرموز روحية وفكرية وقيمية راسخة في وجدان المواطنين والمنطقة والعالم، بغض النظر عن الطائفة او المكون، بحكم ما يعبرون عنه من قيم دينية واجتماعية طالما انقذت العراقيين من مغالاة المتعصبين حد محاولة نسف وشائج المجتمع.

إن ثقل المرجعيات لم يأتِّ فقط من طبيعة ثقلها العلمي في الدين، بل قدرتها على تطبيق علمها على المجتمع واقتصاده في منع ذبح العراقيين لبعضهم، والدعوة لإنصاف “المساكين” المغلوبين على امرهم، غالبية العراقيين، الذين بطشت بهم الأنظمة الدكتاتورية، وروعة المرجعيات أنها حرصت على سلامة العراقيين بكل مكوناتهم، فكان اجماع المختلفين على الإشادة بدورها، اعترافاً بحقيقة القيمة العلمية والإنسانية لها. وبعيداً عن التسييس كانت فتاوى المجتهدين الجليلين المغفور لهما السيدين محسن الحكيم والمجاهد الشهيد محمد باقر الصدر في تحريم مقاتلة الكورد.

وهذا بعض من كثير مما تؤديه المرجعية في تاريخنا والمنطقة والعالم، فحصنَّ مكانتها في ضمائر كل الأديان، بجانب مكانتها في وجدان المسملين جميعاً، لذلك فأن أي تعرض لمكانة المرجعيات هو انتحار سياسي واجتماعي، وقبل كل هذا وقاحة مستجدين على الدين والسياسة.
Top