• Sunday, 25 August 2024
logo

خراب الكويت وكردستان... بين صدام والمالكي.......* داود البصري

خراب الكويت وكردستان... بين صدام والمالكي.......* داود البصري
من متابعة وتحليل نهج التصريحات التي بات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يغرد بها خلال المناسبات التي يختارها والأجواء التي يحيط نفسه بها, تتكرر وتستنسخ من جديد أساليب بناء الزعامة الاستبدادية الديكتاتورية بمفاهيمها المتخلفة والمغلقة, وبأطرها السوداوية العجفاء,

فضمن الأحاديث التي أدلى بها المالكي أمام الوفد الإعلامي الكويتي الذي زار العراق أخيراً, وكانت زيارته بروتوكولية محض اعتمد اللقاء بالقيادات العراقية ولم يتواصل الواحد مع القطاعات الإعلامية العراقية, وقد أدلى رئيس الحكومة البغدادية الخضراء بأقوال غريبة يستنتج منها المتابع والمحلل الموضوعي استكشاف طبيعة العقلية السلطوية لزعيم حزب "الدعوة / المقر العام", وهي عقلية لم تخرج بطبيعة الحال عن الأطر الفكرية السائدة في الشرق القديم, من انتهاج للفردية ومن اعتبار الزعيم الحزبي مركز الكون والأب القائد والذي يفكر نيابة عن الجميع, بل ويستشرف المستقبل بفيوض غيبية لا تتوافر لدى الناس العاديين!
المهم ان نوري المالكي أكد في حديثه أن أجواء التوتر الأخيرة بين حكومة بغداد وحكومة كردستان قد أدت الى هرب رؤوس الأموال الاستثمارية من كردستان, وأن الاستثمار هناك قد تناقص بنسبة 70 في المئة وأن أحدا لا يريد أن يغامر في منطقة يتصارع عليها الإيرانيون والأتراك إضافة الى حكومة بغداد! ومن تتبع ثنايا القول وخلفياته الموضوعية, وظلاله المختفية يمكنه القول ان رئيس حكومة الخضراء تقلقه كثيرا, بل تقض مضاجعه بشكل مؤلم عملية التنمية والتطور الاستثماري الناجحة في كردستان, والتي جعلته يشكل حالة تطورية واضحة في العراق يشار لها بالبنان, وحيث تحولت كردستان لمنطقة جذب للشركات الغربية والشرقية ولورشة عمل ناجحة حتى ان عاصمة كردستان الجنوبية أربيل قد رشحت لتكون عاصمة للسياحة العربية عام 2013! لاحظوا "السياحة العربية"! ما يعني أشياء كثيرة ومثيرة ومقلقة لنفسيات البعض من الفاشلين, مع ملاحظة أن عاصمة العراق, ودرة الشرق القديم, وزهرة الحضارة الإسلامية, بغداد المنصور, قد تراجع وهجها وكادت تندثر سمعتها بسبب أحوال الخراب الشامل الذي تعيشه في بلد تجاوزت ميزانيته المئة مليار دولار اميركي وفي ظل فشل إداري وقيادي مقيم ومستمر لا سبيل للخروج منه! والمالكي في فرحته المغلفة بالحرص الأبوي المزيف لتعثر التنمية في كردستان بسبب التهديدات الحربية القائمة بين المركز والإقليم إنما يذكرني ويعيد ذاكرتي النشطة تحديدا الى عام 1990 وبعد قيام الرئيس السابق صدام حسين بغزو واحتلال دولة الكويت وقيام جحافل المحتلين, وقتذاك, بنهب العاصمة الكويتية الجميلة وتدمير معالمها وتحويلها لأرض خراب ينعق بوم التخلف في أرجائها, فقد تم سؤال صدام حسين عن السبب في تخريب الكويت بالشكل الذي تم, فأجاب إجابة غريبة تفضح عن مكنونات نفسيته الحاقدة وتبرمه من جمال العاصمة الكويتية مقارنة بالمدن العراقية بما فيها بغداد التي أصابت حروب صدام الكثير من معالمها وحياتها وطبيعتها, وحيث كانت إجابة الرئيس الذي كان "بأنه لا يجوز أن تكون مدينة أو محافظة عراقية اجمل من العاصمة بغداد"! فتأملوا حالة الغباء التاريخية وغير المسبوقة, فبدلا من التفكير بارتقاء وتطوير بغداد لتصبح أجمل من مدن وعواصم الجوار فإذا به يشرع في تخريب وتقبيح الجميل من أجل الوصول الى حالة الخراب بدل التعمير والارتقاء! وأعتقد أن الروابط الفكرية بين عقليتي صدام البائد ونوري السائد أضحت أكثر من واضحة, فنوري يتمنى خراب التنمية في كردستان لكي لا تفضح سوأة نظامه وإدارته أمام الفروق الميدانية الهائلة في التطور بين حكومتي بغداد وكردستان, وهي رؤية بات العراقيون الأحرار يقارنون من خلالها بين الوضعين, كما أن المالكي لا يرتاح كثيرا للإنجازات الإدارية الكردية التي أثبتت نجاحها التنموي الهائل في وقت باتت عاصمة العراق تغرق فيه بالأوحال والأمطار وتعيش شوارعها أرقى عصور الاهمال والتردي وتتحول تدريجيا مدينة أشباح, بل إن التصنيفات الدولية قد جعلت بغداد تتربع على عرش أسوأ المدن في العالم معيشة! وهو انجاز كبير يحفظ ويؤرشف لحكومة دولة القانون.
في معالجة صدام للمسألة الكويتية ومعالجة المالكي للمسألة الكردية ملامح تشابه كبير! فالديكتاتورية في العراق أفواه... وأرانب... وعقليات حاكمة.. ومآس مستقبلية كامنة...! فما رأيكم?

* كاتب عراقي


عن صحيفة السياسة الكويتية
Top