يحدث في جمهورية المالكي فقط
كم مظهر محمد صالح جديد سيأتي دوره في مذكرات إلقاء القبض التي تصدرها الحكومة يمينا ويسارا؟ والى متى تستمر حفلات اعتقال وإقصاء الكفاءات، ومتى تنظر الحكومة ومقربوها إلى الشعب باعتبارهم مواطنين لهم حقوق لا رعايا عليهم واجبات فقط؟ بالتأكيد ان الذي اصدر أمر إلقاء القبض على نائب محافظ البنك المركزي يعرف جيدا أن الرجل لا ينتمي الى حزب سياسي يدافع عنه، ولا تسانده ميليشيات يمكن أن تهدد أصحاب القرار، ولهذا فهو صيد سهل مثله مثل ملايين العراقيين ممن لا حول ولا قوة لهم أمام جبروت وطغيان زعاطيط السياسة.
في جمهورية المالكي فقط يتم مطاردة كفاءة وخبرة بحجم سنان الشبيبي.. واقصاء قاض بوزن رحيم العكيلي، وتخوين كل من يتحدث عن الفساد ورجالاته.
في جمهورية المالكي فقط نقرأ هذه الكلمات المؤثرة التي قالها الخبير والعالم الاقتصادي د.مظهر محمد صالح حين زج به مع المجرمين في احد مراكز شرطة بغداد: "استغرب أن يحصل معي هذا الأمر فبدلا من تكريمي لبلوغي السن التقاعدي والخدمات التي قدمتها للاقتصاد العراقي، أجد نفسي مطاردا ومتهما ومهانا".
في جمهورية المالكي فقط نجد سياسيين ومسؤولين يدافعون بكل ما أوتوا من بلاغة عن وزير التجارة السابق فلاح السوداني الذي حول اموال الحصة التموينية الى حسابه الخاص، ونجدهم وبنفس البلاغة ايضاً يشتمون محافظ البنك المركزي السابق سنان الشبيبي لأنه رفض ان يحول اموال البنك الى جيب الحكومة.
في جمهورية المالكي فقط نجد رئيس الوزراء جسورا وهصورا وهو يشن هجوما بريا وجويا ضد سنان الشبيبي، لكن مدافعه تصمت أمام عملية فساد بحجم صفقة الأسلحة الروسية.
في جمهورية المالكي فقط نجد الضباط الذين يتورطون في تهريب الإرهابيين، والمسؤولين الذين يعبثون بأموال الدولة ويعدونها مالا خاصا، يعيشون آمنين مطمئنين يتمتعون بما أغدقت عليهم مناصبهم من مال ورفاهية.
في جمهورية المالكي ينام اقتصادي بارز مثل مظهر محمد صالح في زنزانة باردة وموحشة، لا لشيء إلا لأنه دافع بنزاهة عن استقلالية البنك المركزي، فيما يعيش المقاولون والسراق والانتهازيون والمزورون اسعد أيام حياتهم بما نهبوه من ثروات البلاد.
في جمهورية المالكي فقط يعتقد الساسة أن الديمقراطية تعني "الدوس" على رقاب الناس، وان الحرية درس في الطائفية والانتهازية. وان صلاح الأمة في تحويل مدن العراق إلى سردايب مظلمة.
في جمهورية المالكي فقط توزع المسدسات الفاخرة على شيوخ العشائر ليطلب منهم فرض القانون على طريقتهم الخاصة، وترهيب كل من تسول له نفسه التفكير في الخروج على مشروع دولة القانون او الاقتراب من أسوار الحكومة.
ما حدث في قضية البنك المركزي وقبله في الاستحواذ على هيئة النزاهة وشبكة الإعلام، هو أن الحكومة قررت أن تظهر "العين الحمراء" لكل من يعارضها او يحاول الاقتراب من قلعتها الحصينة.
ولنسأل فيلق الهجوم الخاص بدولة القانون أيُّهما اخطر على العملية السياسية، اقتصادي خدم بلاده بكل إخلاص ومثابرة أم السيل العارم من الفاسدين والمفسدين الذين ينتشرون في كل مفاصل الدولة؟
لم يثبت حتى الآن أن مظهر محمد صالح شكل تهديدا للاقتصاد الوطني حتى يقرر أشاوس دولة القانون شن حملة افتراءات ضده، لكن المؤكد بالصورة والصوت أن الفاسدين الذين يتستر عليهم بعض المسؤولين أهلكوا البلد وشكلوا ويشكلون اخطر تهديد ضد أمن الوطن والمواطنين لا يقل خطورة عن تهديد الجماعات الإرهابية.
بالتأكيد سيخرج علينا من يقول إن القضية بيد القضاء، وسيذهب الخيال بالبعض الى اتهام د.مظهر ومن معه بانهم ينفذون أجندة خارجية، ونقول لهم ليكن، وبالقانون الذي لم يثبت حتى هذه اللحظة ان الشبيبي ومعاونه والمعتقلات من موظفات البنك يقفون وراء اهدار مئات المليارات في مشاريع وهمية، او انهم السبب في تدهور الخدمات وعزوف المستثمرين، ولم يستطع خبراء المالكي الاقتصاديون من تحسين سعر صرف الدينار العراقي، او ايقاف عمليات تهريب العملة التي يديرها عدد من السياسيين المتنفذين.
لعل من الغريب والمؤسف ان القوى السياسية التي تجاهر ليل نهار بالحرية والديمقراطية نراها تصمت أمام هذه المهزلة التي راح ضحيتها خيرة عقول العراق الاقتصادية، ولم نجد حتى هذه اللحظة سياسيا واحدا يفعل ما فعله ساسة مصر حين وقفوا بصلابة ضد قرار رئيس الجمهورية بإقالة النائب العام.
لكنها جمهورية المالكي حيث نجد من يصمت ويضع رأسه في الرمال وهو يرى كيف يهان موظف حكومي جريمته الوحيدة انه رفض ان يتحول البنك المركزي الى بيت للمال عند الخليفة.
عن "المدى"