سعد الدين إبراهيم لـ« العالم »: الحكم الفدرالي هو الأمثل للعراق وأنا مع إعطاء الوسط والجنوب نفس الفرصة التي اقتنصها الكورد بأنفسهم
تعرض لمعاناة طويلة في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك، على إثر مقال صحفي تحدث فيه عن "الجملوكية وتوريث الحكم في مصر"، لكنه لا يزال صلبا يتبنى أهدافه التحررية والحقوقية والمدنية في مصر والعالم العربي.
وفي مقابلة خاصة اجراتها جريدة «العالم» العراقية في القاهرة مع الدكتور سعد الدين ابراهيم تبين أن له هوى خاصا بالعراق والعراقيين، وأنه مهموم بالشأن العراقي، انطلاقا من ذكرياته الخاصة في بغداد وكردستان العراق، وعلى عكس آراء يائسة كثيرة، وجدناه يحمل بين جنبيه أملا كبيرا في تحسن الوضع العراقي، كما تحدث عن أنسب أنظمة الحكم الصالحة للوضع العراقي، وتطرق إلى طبيعة العلاقات العراقية التركية الإيرانية، وإلى كيفية تسيير العلاقات العراقية / الكويتية في إطار البند السابع الخاص بالتعويضات، بالاضافة الى وجهة نظره بشأن حكم الاخوان في مصر والازمة السورية وتوقعاته لها والى غير ذلك من مسائل تضمنتها هذه المقابلة.
* بعد سنوات من رحيل صدام حسين، كيف ترى العراق الآن؟
العراق الآن أشبه بوضع مصر بعد سقوط حكم المماليك العثمانيين على أيدي الفرنسيين، ليبدأ تاريخ مصري جديد رغم المآسي والدمار والدماء، ولقد كتبت ذلك وأوضحت أنه رغم امتعاضنا من الغزو الأميركي للعراق بكل تفاصيله المأساوية، إلا أنه أعطى للعراقيين فرصة جديدة لإعادة بناء وطنهم على أساس إنساني ديمقراطي تعددي، وأن التجربة العراقية برغم كل ما تصادفه من مطبات في الطريق، إلا أنها تجربة واعدة خاصة مع وجود حكم ذاتي للمناطق المختلفة، لذا فإنني أحتفي بهذه التجربة وأتوقع لها مستقبلا زاهرا.
* ما نظام الحكم المناسب للعراق في الوقت الحالي؟
الحكم الفدرالي هو الأمثل للعراق، وليس للعراق فقط، بل للسودان والمغرب والجزائر، والأمثل لكل بلد فيه تعددية، كاليمن وسورية أيضا.
وأنا مع إعطاء الوسط والجنوب العراقيين نفس الفرصة التي اقتنصها الأكراد بأنفسهم، على أن يقنن الوضع الفدرالي بين كل العراقيين.
* بعضهم يعتب عليك عدم زيارة بغداد في وقت توجهت فيه لزيارة كردستان العراق، فما ردك؟
هؤلاء ربما لا يعرفون عما يربطني ببغداد من صلات، فقد عشت فيها 3 سنوات وأحد أبنائي مولود هناك، وعلاقتي ببغداد والعراق طويلة وتعود الى أوائل السبعينيات.
* ماذا كنت تفعل بالعراق وبغداد في تلك الفترة؟
في أعقاب حرب أكتوبر 1973 استعانت بي الحكومة العراقية كمستشار لتنمية الطاقة البشرية العليا للعراقيين، خاصة في حقوق الهندسة والتكنولوجيا والعلوم، وكنا وقتها فريقا متكاملا من الخبراء العرب، قمنا بتكوين فريق بحثي كبير قوامه 200 شخص وأسهمنا خلال 5 سنوات متتالية في مضاعفة عدد العلماء والمهندسين، وكثيرا ما كنت أتردد بين أميركا وبغداد في ذلك الحين .
* وماذا عن زيارتك السابقة لكردستان العراق؟
الزيارة جاءت في إطار نشاطي الحثيث نحو الدفاع عن حقوق وقضايا الأقليات في العالم العربي، ومن هذا المنطلق دافعت عن كورد العراق حتى نالوا استقلالهم، وهم لم ينسوا لي هذا الجهد، وقد وجه لي كل من مسعود بارزاني وجلال طالباني الدعوة لزيارة كردستان العراق فلبيت الدعوة وكان هذا هو سبب الزيارة ولو جاءتني دعوة لزيارة العراق وبغداد فليس لدي مانع لتلبية الدعوة بكل حب وترحيب .
* ما تقييمك لأداء حكومة المالكي؟
أهل مكة أدري بشعابها، لكن بالتأكيد مؤشرات عدم الاستقرار تشي بأن هناك أخطاء، ولعل بعض هذه الأخطاء على بساطتها يمكن أن يؤدي الى كوارث، فمن الأخطاء السياسية الواقعة مؤخرا قيام الحكومة بإلغاء البطاقة التموينية للعراقيين بقرار مفاجئ، مع ان البطاقة التموينية قائمة منذ عهد صدام حسين، وأنا كان لي بطاقة تموينية عراقية، وأعلم مدي أهميتها للعراقيين.
* يرى بعضهم أن الوجود الأميركي بالعراق لم يكن غزوا، وإنما تحريرا، ما رأيك؟
لقد صرّحت خلال أيام الغزو وكتبت في واشنطن بوست محذرا الأميركيين من البقاء في العراق لأكثر من عام، وقلت معبرا عما يحدث "هذا تحرير وإذا استمروا أكثر من عام فسيتحول الأمر في أذهان العراقيين والعرب وأمام العالم كله الى احتلال من حق أي فريق مقاومته".
* وماذا عن سيناريو الخروج الأميركي من العراق، هل تراه تم في وقته المناسب أم بدافع النجاة من فيتنام جديدة؟
أميركا دولة تتعلم من أخطائها السابقة، وكان أمامها 3 تجارب في اليابان وألمانيا وفيتنام، والنصيحة التي أعطيت للأميركيين هي أن يأخذوا بالنموذج الياباني أو الألماني حتى يتمكنوا من إعداد العراق للانتقال الديمقراطي السلس، وحتى يحتفظوا بصداقة العراقيين بعد الخروج من العراق، والحقيقة أن تسليم السلطة تم بشكل صحيح ولصالح العراقيين وشاهدنا انتخابات تمت برقابة دولية بذل فيها الأميركان جهودا كبيرة، وأموالا ضخمة، وضحوا بأعداد كبيرة من جنودهم.
* هل تعتقد ان العراق اليوم بلا اميركان بعد ان انسحبت قواتهم بالكامل من العراق في 2011؟
بالطبع لا، فلا يزال الوجود الأميركي في العراق قائما بملامحه المختلفة عسكريا واقتصاديا وثقافيا، كما أن العراق أصبح جزءا هاماً من الذاكرة الجمعية الأميركية، وسيظل للعراق ربما لجيل أو أكثر مكانة خاصة في العقل الجمعي الأميركي.
* هل يحق للعراقيين مطالبة الأميركيين بتعويضات عما أصابهم بسبب احتلالهم للعراق؟
نعم، يحق لهم المطالبة بما يشاؤون من تعويضات، ولكن تبقى محكمة العدل الدولية هي الفيصل في مثل هذه المطالب.
* ما رأيك في استمرار العراق بدفع تعويضات للكويتيين؟
لكي نؤسس لنظام عربي متين، فلابد على كل من أخطأ في حق أحد جيرانه أن يدفع له التعويض المناسب.
لكن إذا استطاع الطرفان إبرام معاهدة صلح بشهادة الجامعة العربية والأمم المتحدة وكل الجيران الإقليميين، فإن هذا سيكون من شأنه تهيئة المناخ لإغلاق الملف بالكامل.
* كيف تنظر الى الصراع التركي الإيراني نحو النفوذ داخل العراق؟
العراق ملزم بخلق علاقات نوعية مع ايران وتركيا، خاصة وانهما جارتان قويتان ومتقدمتان وبالتالى فمن مصلحة العراق أن يظل على وفاق معهما، وفي رأيي أن صراع تركيا وإيران نحو النفوذ داخل العراق يمكن أن يستغله ويوظفه العراقيون لصالحهم من خلال توجيه الصراع نحو دعم مصالح الشعب العراقي، وتقليص فرص الجارتين في مسألتي مناطق النفوذ وتجنيد العملاء.
* البعض يري في عودة الملكية للعراق حلا لمشكلاته، فما رأيك؟
أنا أتعاطف مع دعاة الملكية في العراق ومع من لديهم هذا الحنين، لأنه حنين لا تتسع رقعته في العراق فقط، بل في كل العالم العربي .
وأنا أرى أن الملكية الدستورية صيغة ممكنة للعراق والعراقيين حتى في الوقت الحالى.
فقد كانت العائلة المالكة تلقي قبولا من الشيعة والسنة والكورد على السواء، لأن المبدأ السائد آنذاك هو أنه أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وبالتالي فلا فضل لعربي على كوردي ولا تركماني ولا على أي عرق آخر، وهو ما كان سببا للإستقرار.
* في رأيك ماذا جنينا من ثمار الربيع العربي حتى الآن؟
ثماره تتلخص في أمرين هما، كسر جدار الخوف، وأن الجميع صار مسيسا والكل صار يتكلم في السياسة من الغفير حتى الوزير، وهما منجزات مهمة وصافية للربيع العربي وهذا الى جانب وجود مطبات في الطريق وخيبات أمل كثيرة، لكن كما قال تشرشل "إذا أردت أن تصنع طبقا من العجة فلابد أن تكسر بيضا كثيرا"، وهذا ما يحدث مع الربيع العربي، فلكي تخلق نظاما جديدا أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة، فلابد من تقديم وتأخير وظهور واختفاء، فنرى قوى تختفي وأخرى تظهر ثم تختفي الى آخره.
* على ذكر خيبة الأمل هل شعرت بذلك مع تولي الإخوان؟
كنت أدافع عنهم لأنهم كانوا مضطهدين، والآن هم في السلطة وهناك بعض المؤشرات التي تقلقني، منها سيطرتهم على الجمعية التأسيسية للدستور، وأنهم لم يفكروا في دعوتنا ولا مرة واحدة وهم على بعد 100 متر من مكتبنا رغم أننا دعوناهم 12 مرة عندما كانوا مضطهدين ولم يكن لهم منبر سوى مركز ابن خلدون هنا، لذا أستشعر أن هناك نوعا من أنواع إنكار الجميل وهذا شيء خطير من الناحية الأخلاقية والسلوكية.
وأنا لم أصوت للإخوان لا في المرة الأولي ولا الثانية، ففي الأولى انتخبت حمدين صباحي وفي الثانية أعطيت صوتي للفريق أحمد شفيق.
* هل تتوقع حدوث صراع بين الإسلاميين في مصر يحولها الى أفغانستان جديدة؟
الصراع بين الإسلاميين محتمل، ولكن لن تتكرر تجربة أفغانستان لأن الشعب المصري لديه درجة عالية من التحضر حتى في أقصى اللحظات حرجا وتوترا.
* وماذا عن الأزمة السورية ونشوب حرب في المنطقة بسببها؟
الحرب الحادثة بالفعل هي حرب أهلية، إنما ربما تقوم بعض الأطراف في هذه الحرب بتفجير الوضع مع إسرائيل أو مع تركيا لتجييش الجبهة الداخلية، وأعتقد أنه حتى لو حدث هذا فلا إسرائيل ولا تركيا ولا حتى إيران سيبتلع هذا الطعم ويدخل في حرب.
* في ختام الحوار ماذا تقول للشعب العراقي؟
تمنياتي للشعب العراقي بالتوفيق ودعواتي لكل الفرقاء العراقيين أن يدركوا أن تجربتهم رغم كل ما فيها من عنف إلا أنها تظل تجربة واعدة، وأرجو أن تنجح وقريبا وسوف يقود العراق مسيرة التحول الديمقراطي في الوطن العربي.