• Monday, 23 December 2024
logo

محاولات اخرى لافراغ المادة 140 من مضمونها الحقيقي

محاولات اخرى لافراغ المادة 140 من مضمونها الحقيقي
الدكتور نوري طالباني *

المادة (140) من الدستور العراقي كغيرها من المواد الدستورية الاخرى نافذة المفعول لحين تعديلها بموجب المادة (126) من الدستور نفسه. فقد ورد في البند (ثانيا) من المادة المذكورة على انه "لايجوز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام". كما جاء في البند (ثالثا) من المادة نفسها على انه "لا يجوز تعديل المواد الاخرى غير المنصوص عليها في البند (ثانيا) من هذه المادة الا بعد موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام". ان هذه المادة لم تفرق بين كيفية تعديل مواد الدستور العراقي الا من حيث كونها موادا اساسية واردة في الباب الاول من الدستور، وتلك التي تخص الحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني منه، واشترطت لتعديل جميع هذه المواد توفر اربع شروط وهي:

1- مرور دورتين انتخابيتين متعاقبتين على الدستور الذي شرع في نهاية عام 2005.

2- موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب على التعديل المقترح.

3- موافقة الشعب بالاستفتاء العام عليه.

4- مصادقة رئيس الجمهورية عليه خلال سبعة ايام.

اما بالنسبة للمواد الدستورية الاخرى، فلا يشترط لتعديلها الا توفر الشروط الثلاث الاخيرة، وهي موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام عليه، ومصادقة رئيس الجمهورية عليه خلال سبعة ايام.

يتحدث البعض عن وجوب انهاء العمل بالمادة (140) من الدستور بزعم انقضاء المدة المحددة لتنفيذها وهي نهاية عام 2007، وذلك يعنى ليس فقط تعديلها، بل الغائها، وهو ما يتناقض كليا مع مضمون المادة (126) من الدستور.

يتمسك البعض بانقضاء الفترة الزمنية المحددة في المادة (140) للادعاء بان تلك المادة اصبحت ملغية بحكم القانون. يعتبر الزمن في بعض العقود والاتفاقيات عنصرا جوهريا فيها. ففي عقد الايجار او عقد التامين مثلا، يعد الزمن عنصرا جوهريا في العقدين المذكورين بحيث ان عدم ادراجه يؤدي الى عدم صحة العقد برمته. لكن عنصر الزمن في عقود اخرى هو لغرض التنفيذ فقط، كالبيع المؤجل تنفيذه، او البيع بالاقساط. وتسري هذه القواعد القانونية على النصوص الدستورية ايضا. ان عنصر الزمن في المادة (140) من الدستور العراقي هو للتنفيذ فقط، لذلك تبقى المادة صحيحة ونافذة المفعول لحين تعديلها بموجب الاحكام المحددة في المادة (126 / ثالثا) من الدستور العراقي. وادعاء البعض بعدم جواز استمرار العمل بالمادة (140) لانقضاء المدة المحددة لها يخالف الدستور العراقي. ان الجهة المسؤولة عن عدم تنفيذ احكام المادة المذكورة هي السلطة التنفيذية الاتحادية ومؤسساتها واجهزتها التي لم تتوانى لحد الان في خلق العراقيل امام تنفيذ بنود تلك المادة الدستورية. وقد طالب الجانب الكوردى لدى اعداد مشروع قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية من قبل مجلس الحكم ادراج مادة لحل الاشكالات الناحمة عن الممارسات العنصرية للنظام السابق في معظم اجزاء كوردستان، لان الجانب الامريكى لم يكن ميالا لازالة اثار تلك الممارسات في الفترة الزمنية اللاحقة لسقوط النظام. وتلكات الحكومة العراقية الانتقالية في تنفيذ الالتزامات القانونية المترتبة عليها بموجب المادة (58) من القانون المذكور، فاضظر المشرع العراقي لدى اعداد مشروع الدستور العراقي، نقل تلك الالتزامات القانونية الواردة في تلك المادة الى الدستور العراقي، فنصت المادة (140) في بندها (اولا) على ان "السلطة التنفيذية تتولى اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها". وجاء في البند (ثانيا) من المادة نفسها على ان " المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيها) في مدة افصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعين". وقد استغل البعض لاسباب سياسية تحديد تلك الفترة الزمنية في المادة المذكورة للادعاء بانها بعد انقضائها اصبحت ملغية، كما يتبين ذلك من القرار الصادر من مجلس محافظة نينوى في شهر اذار 2012. فقد وجهت الدائرة القانونية في الامانة العامة لمجلس الوزراء بكتابها المرقم ق/ 2/ /1 /45 في 15/4/2012، المرفق به نسخة من كتاب رئاسة مجلس محافظة نينوى المرقم 2316 بتاريخ 25/3/2012، المتضمن عدم اعتراف مجلس محافظة نينوى في جلسته السادسة عشرة بعد المئة المنعقدة في 13/3/ 2012 بالمناطق المتنازع عليها ضمن حدود محافظة نينوى، بحجة عدم تحديدها بموجب الدستور أو القوانين النافذة، وهو ما يعني الرجوع إلى الحدود الإدارية لمحافظة نينوى مع إقليم كوردستان المحددة في 19/3/2003، حسب المادة 53/أ من قانون إدارة الدولة المنصوص عليه في المادة (143) من الدستور العراقي. يبدو ان الدائرة القانونية في مجلس الوزراء العراقي تؤيد بصورة ضمنية ما ورد في كتاب رئاسة مجلس محافظة نينوى المشار إليه أعلاه، والا لما احالته إلى لجنة المادة (140) من الدستور لبيان الرأي فيه. نعتقد ان الدائرة القانونية في مجلس الوزراء اعلم من غيرها بخلفية مشكلة المناطق المتنازع عليها، وان الدستور العراقي في الفقرة (أولا) من المادة (140) منه قد ألزم الحكومة الاتحادية "باتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها". إن المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية قد شرعت لحل مشكلة (المناطق المتنازع عليها)، واجراء تغييرات كبيرة في الحدود الإدارية فيها قبل تنفيذ حملات الأنفال السيئة الصيت وقصف حلبجة وتدمير قرابة (4000) قرية كانت عامرة حتى ذلك الحين، تشهد على ذلك القرارات العديدة الصادرة عن (مجلس قيادة الثورة) المقبور.

كان الكورد ينتظرون بعد سقوط النظام إزالة آثار تلك الممارسات الاجرامية التي اعتبرتها المحكمة الجنائية العليا ومجلس النواب العراقي جريمة إبادة بحسب المعايير القانونية الدولية. لذلك حاول المشرع العراقي وضع آلية لحل آثار تلك السياسة لدى تشريع قانون إدارة الدولة في المرحلة الانتقالية والدستور العراقي فيما بعد. إن هذه الآثار لا تزال باقية بسبب تلكؤ السلطة التنفيذية في تنفيذ واجباتها الدستورية خلال السنوات الماضية. ولهذا السبب بالذات حاول البعض إيجاد "مبررات دستورية و قانونية" لإبقاء آثار تلك الجرائم التي كان الكورد بمختلف أطيافهم ومذاهبهم ضحية لها خلال حقبة ثلاث عقود أو أكثر. وللرد على تلك الادعاءات غير الدستورية الواردة في قرار مجلس محافظة نينوى المشار اليه انفا، نشير الى :

1- ان المادة (143) من الدستور العراقي قد ألغت قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، لكنها استثنت الفقرة (أ) من المادة (53) والمادة (58) من القانون المذكور.

2- الادعاء بعدم وجود مناطق غير متنازع عليها في محافظة نينوى، بزعم عدم الإشارة إليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة والمادة (140) من الدستور العراقي غير مقبول اطلاقا، لوجود محافظات أخرى لم تحدد بالاسم، رغم وجود مناطق متنازع عليها فيها، باستثناء الإشارة على سبيل المثال إلى محافظة كركوك. إن أسماء محافظات ديالى وصلاح الدين وواسط وكربلا والانبار و نينوى لم ترد في المادة المذكورة، وعدم الإشارة إلى اسم محافظة نينوى لا يعني عدم شمولها بحكم المادة (140) من الدستور، أو عدم وجود مناطق متنازع عليها فيها. إن النظام السابق هو الذي خلق تلك الاشكالات وليس الكورد الذين كانوا ضحية ممارساته الإجرامية.

3- إن الإقرار بما جاء في كتاب مجلس محافظة نينوى المشار إليه آنفا، يعني إفراغ المادة (140) من مضمونها، وهو ما يقتضي الرد عليها بعدم دستورية ذلك الادعاء. علما بان جميع النصوص الدستورية والقانونية تسري على جميع المناطق المشمولة به. والعمل بمقتضى قرار مجلس محافظة نينوى المذكور، يعني الرجوع إلى المربع الأول الذي أصبح عبرة لأولي الألباب.

* استاذ في القانون ورئيس الاكاديمية الكوردية

مجلة (الاكاديمية الكوردية)، العدد 22، حزيران 2012
Top