المطلوب من الكرد: نقل الصراع الى قلب بغداد
بعد خطوات مهمة كانت مطلوبة من زمان لترتيب البيت الكردي عبر اتفاق أطرافه على الوقوف صفا واحدا حيال الأزمة الراهنة مع المركز وعودة رئيس جمهورية العراق الفيدرالي جلال طالباني الى مقر عمله في بغداد وقرار ارسال وفد الكتل الكردستانية برئاسة نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني لتمثيل حكومة الأقليم، يجوز القول ان القيادة الكردية تدرك أهمية زيادة ثقلها السياسي والتفاوضي في العاصمة بغداد. شخصيا أعتقد ان الثيادة الكردية تأخرت في نقل الصراع مع الحكومة المركزية الى قلب بغداد وادارته هناك بدلا من ااراته من كردستان.
ينبغي تسمية الأشياء بأسمائها. الأزمة السياسية الحالية بين الطرفين هي في جوهرها صراع على المستقبل، مستقبل العراق ومستقبل اقليم كردستان. الأزمات تظهر وتختفي لكن الصراع أعمق من الأزمة وقد يستمر سنوات وعقودا وحتى قرونا ولا ينتهي الا بعد توقيع معاهدة سلام بين الطرفين المتصارعين. بعبارة أخرى حتى نهاية اللعبة كما في الشطرنج عندما تنتهي اللعبة باخراج جميع الأحجار من على الرقعة واعلان موت الملك. يقال هذا مع ملاحظة ان النهاية في لعبة الشطرنج تحل من دون استخدام العنف، بل باستخدام العقل والذكاء والتفكير والمراوغة والحساب المدروس، وبالتالي فان الصراع ليس بالضرورة ابدا أن يكون مسلحا.
لماذا ينبغي على الكرد ان ينقلوا الصراع الى قلب بغداد؟ ببساطة لأن المشكلة ليست في كردستان بل في بغداد. هذا أولا. وثانيا لأن الكرد لم يتخلوا عن العراق كي يجلوا عن عاصمته بغداد. الكرد يملكون البلد وعاصمته بالتساوي مع بقية العراقيين. الكرد قدموا الضحايا أكثر من غيرهم على مدى عقود عجاف كي يصبحوا شركاء متساوين قولا وفعلا في الحقوق وليس في الواجبات فقط في امتلاك العراق وحكمه وادارته وخدمة شعبه والسعي الى تقدمه وجعله انموذجا للتسامح والديموقراطية والعدالة والمدنية، وينبغي عليهم ان يصروا على تحقيق هذا الانموذج الى ان يصلوا الى نهاية اللعبة، وعندها فقط سيقولون ان لكل مقام مقال. حتى تحقيق هذا الهدف، سواء طال الوصول اليه أم قصر، يجب على الاخرين أن يدركوا ان الكرد سيسعون الى اسقاط كل الأحجار - المشاكل عن الرقعة وانهم حتى ذلك الوقت ليسوا مستعدين ابدا لاعلان موت الملك قبل الأوان.
بعد هذه المقدمة أقول ان أول شرط لنقل الصراع الى قلب بغداد هو التخلي عن عادة ارسال وفود الى المركز لاجراء سلسلة من الاجتماعات واللقاءات ثم تعود الى كردستان غالبا من دون تحقيق نتيجة ملموسة ما. بدلا من ذلك حان الأوان لوضع استراتيجية طويلة
الأمد لادارة الصراع من دون التخلي عن ادارة شؤون الدولة في اطار المشاركة في الحكومة والبرلمان والمؤسسات الدستورية كلها واستجابة متطلباتها بما في ذلك خوض الانتخابات البرلمانية والمناطقية، وفي هذه الاثناء لا بد من التصدي لحل المشاكل والخلافات والأزمات الدورية على صعيد العراق من جهة وعلى صعيد العلاقات الادارية بين الاقليم والمركز من جهة اخرى، وهو أمر ينبغي التعامل معه على انه مشكلة عادية تحدث في أحسن العائلات ويفترض ان يُصار الى معالجتها بهدوء في اطار الآليات التي يوفرها القانون الأساسي. هذا واحد من ركنين ينبغي ان تعتمده الأستراتيجية المطلوبة.
الركن الثاني في الاستراتيجية المفترضة يتعلق بمستقبل العراق واقليم كردستان والشكل الدستوري لارتباطه بالعراق، الفيدرالية القائمة بالفعل ام الكونفيدرالية، أو اعلان الدولة الوطنية المستقلة في خاتمة المطاف. هذا تحديدا يحتم على الطرف الكردي ادراة الصراع في بغداد، الأمر الذي بدوره يستدعي تعزيز ثقله السياسي التفاوضي الدائم في بغداد. فوجود رئيس كردي للجمهورية ووزراء كرد في بغداد شيء ووجود تمثيل كردي سياسي تفاوضي رفيع المستوى بشكل دائم في بغداد شيء آخر. أكيد ان الطرف الكردي لديه ممثل سياسي مخضرم وعريق وبارع وزعيم له دور تاريخي في الحركة الكردية باعتراف الجميع هو الرئيس طالباني على رأس الدولة في بغداد ما يعتبر مكسبا مهما يعزز قدرة الكرد على التفاوض مع بغداد، خصوصا انه مدعوم من شريك وحليف مماثل في أربيل في صورة رئيس الأقليم مسعود بارزاني.
لكن ينبغي على الطرف الكردي ان يراعي كون طالباني رئيسا للعراق يلزمه الدستور أن لا ينحاز الى جماعته الى حد مخالفته. انه موقف حساس ويعني ان طالباني يجب ان يسير على حبل رفيع وفقا لهذه المعادلة. فهو من جهة رئيس لكل العراق يتعين عليه ان يتواصل مع جميع الكتل والاتجاهات السياسية وفقا للمصلحة الوطنية العامة. لكنه من جهة ثانية وصل الى هذا المنصب باعتباره من حصة التحالف الكردستاني الذي رشحه لشغله. الى ذلك لا يستطيع طالباني أن يفرط بالمصلحة القومية الكردية التي ناضل من أجلها طوال حياته السياسية الممتدة لأكثر من ستة عقود. هنا تحديدا تأتي أهمية الدور الذي ينبغي ان يلعبه تمثيل، أو وفد، كردي سياسي يمثل اقليم كردستان على مستوى رفيع واجبه الرئيسي ادارة التفاوض والصراع مع المركز. ولا مناص من ان تكون العاصمة بغداد المكان الطبيعي لهذا الوجود الكردي.
قصارى الكلام ان القيادات الكردية مطالبة باعتماد هذه الاستراتيجية الضرورية في هذا المنعطف المهم في تاريخ العراق عموما واقليم كردستان خصوصا. استراتيجية لا بديل منها لنقل الصراع الى قلب بغداد وهو صراع شرطه الرئيسي ان يكون سياسيا وسلميا قد يكون طويل الأمد أو قصير الأمد اعتمادا على اعتبارات كثيرة، داخلية واقليمية ودولية، الأمر الذي يحتم وجود خطة عمل استراتيجية صحيحة في اطار رؤية تاريخية للمستقبل.
ما سلف أقل من يمكن القول فيه انه حق مشروع للشعب الكردي والمطلوب من قياداته التعامل معه بجدية.
عن "الحياة"