• Sunday, 25 August 2024
logo

عمليات دجلة دستورية أم غير دستورية؟

عمليات دجلة دستورية أم غير دستورية؟
كثرت الأحاديث في الفترة الراهنة حول ما نتج من تداعيات تشكيل قيادة عمليات دجلة من قبل حكومة نوري المالكي رئيس الوزراء وتمركزها في مناطق تسمى دستوريا بالمناطق المتنازع عليها، وبالذات هبت عاصفة خبرية مدونة ومختومة على شاكلة ما ترغب بها القنوات الأخبارية من حيث الدستورية او غير الدستورية لتشكيل قيادة عسكرية كهذه.

كوني لم اكن يوما من الأيام عسكريا لحسن الحظ ورغم تواجدي في العراق لن أنشمل بقرار التجنيد العسكري الإجباري حيث كان يسلك هذا النظام من قبل النظام السابق المقبور، وكنت مشمولاً بقرار الحكم الذاتي الذي أعفى الكورد بعد عام 1991 عن الخدمة العسكرية، إلا اني ومن باب الفضول الصحفي تابعت هذا الموضوع خطوة خطوة.

المؤسف هنا ان جملة من اللقاءات على مستوى عالٍ من وزارتي البيشمركة والدفاع العراقية خلال 4 أيام لم ينتج عنها اي شيئ، ما دل على ان جهة من الجهات المعنية بالشأن لم يكن في نيتها معالجة العلة العسكرية التي اعتبرها شخصياً سهلة المنال. فتبن فيما بعد ان وزارة البيشمركة تقدمت بورقة إصلاح اي خارطة طريق دستورية تضم 14 نقطة وعلى أساس هذه الورقة تم الإتفاق خلال الإجتماعين (الأول والثاني) على عدة نقاط أبرزها:

* تشكيلة وآلية العمل وأسس العمل المشترك، ولجان العمل المشترك في المناطق المستقطعة ستبقى كما كانت عليه هيّ، وسيتم تفعيل آلية العمل بين قوات الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان.

* تنظيم اجتماعات لجميع لجان العمل المشتركة حيث سيعقد في كل شهر اجتماعاً، وسيتم زيادة هذه الاجتماعات اذا دعت الحاجة، وخاصة اجتماعات لجنة العمل العليا.

* متابعة أعمال وقرارات لجان العمل المشترك ومعاقبة اي شخص او طرف ينتهك الاتفاقات والقرارات.

* معاقبة اي شخص أو طرف ينقل معلومات خاطئة الى الجهات الأعلى منه بغية خلق الفتنة والتوترات وعلى أي مستوى كان.

* في حال وقوع أي مشكلة في أية منطقة من المناطق المستقطعة يجب اعلام لجنة العمل العليا بها، وعليها الاستجابة السريعة لها ومعالجتها.

* احترام الاتفاقات ومعاقبة القادة والمسؤولين والأشخاص الذين يحاولون خرق مضمونها.

* وضع آلية سريعة وعاجلة لاعادة جميع الوحدات وقوات الجانبين التي استقدمت الى المنطقة قبل 16/11/2012، وان تكون اعادة القوات صادقة وشفافة وتحت اشراف أعضاء لجنة العمل العليا بعد موافقة اللجنة الوزارية العليا.

* اعادة النظر في قرار تشكيل قيادات العمليات في المنطقة وخاصة قيادة عمليات دجلة، واعادة السلطة الأمنية في مدينة كركوك الى الشرطة والآسايش وقوات الداخلية.

هنا بينت الحكومة المركزية ايضاً حسن نيتها ورغبتها الى جانب رغبة وحسن نية الوفد الكردي لمعالجة الأزمة العسكرية، إلا ان سرعان ما ترجعت عنه الحكومة المركزية عن هذه القرارات والمجيئ بقرارات اخرى معاكسة تماماً على ما اتفق عليها في النقاط أعلاه اي في الإجتماعين (الأول والثاني)، جعل مسار الإجتماعات تتجه نحو الأسوء، وعودة الوفد الكردي الى أربيل، وتغير مسار النية الحسنة لدى الجانب العراقي.

إعتمدت الحكومة المركزية في تشكيل قيادات عملياتها العسكرية على مادة دستورية واضحة تمنح الحكومة حق تشكيل القيادات العسكرية وهي المادة 110 من الدستور العراقي، التي ضمنها قائد قيادة عمليات دجلة الفريق عبدالأمير زيدان في احدى المقابلات التلفزيونية حيث قال بالنص " ان قيادة عمليات دجلة دستوية وشكلت من قبل الحكومة وفق المادة 110 من الدستور العراقي" وعلى هذا لأساس يمنح الحق لقائد القوات المسلحة نوري المالكي من تشكيلها، وللقارئ العزيز ولإثبات كلام المدعو، أحبذ ان ادون ضمن مقالتي نص المادة الدستورية التي قالها في كلامه:

تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الآتية:

اولاً :ـ رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية.

ثانياً :ـ وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها، لتأمين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه.

ثالثاً :ـ رسم السياسة المالية، والكمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته.

رابعاً :ـ تنظيم أمور المقاييس والمكاييل والاوزان.

خامساً :ـ تنظيم امور الجنسية والتجنس والاقامة وحق اللجوء السياسي.

سادساً :ـ تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد.

سابعاً :ـ وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية.

ثامناً :ـ تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه اليه وتوزيعها العادل داخل العراق، وفقاً للقوانين والاعراف الدولية.

تاسعاً :ـ الاحصاء والتعداد العام للسكان.

اذا وبالتحديد شكلت القيادات العسكرية على أساس والإعتماد على مضمون الفقرة رقم إثنين من المادة 110.

لكن وبالمقابل علينا تطبيق الدستور فقرة تلوة الأخرى وعدم التخطي او عبور جزء منه لأجل مصالح شخصية ضيقة او عناداً بجهة اخرى وتأتي هذه في سياق السياسات الخاطئة.

المادة التي تمنع منعاً باتاً تشكيل قيادات عمليات عسكرية دون الرجوع الى البرلمان (مجلس النواب العراقي) هي المادة الـ61، وتنمح حق التشكيل لهذه القيادات بعد موافقة البرلمان، وبالنص تقول هذه المادة يختص مجلس النواب بما يأتي... النقطة الرابعة- الفقرة ج ـ رئيس اركان الجيش، ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات، بناءاً على اقتراحٍ من مجلس الوزراء.

وعدم الدستورية لتشكيل قيادات العمليات العسكرية تتبين لنا بناءاً على ان حكومة المالكي وكونه قائد القوات المسلحة لم ترسل لحد الآن أسماء القيادات العسكرية للبرلمان وبالتالي لم يوافق على تشكيلها مجلس النواب دستورياً.

وفي جانب آخر تشكيل قيادة عمليات دجلة خرق واضح للدستور، كونها تم تشكيلها لتمركزها في مناطق متنازع عليها إدارياً، وبالأحرى في كركوك، التي تنص المادة 140 من الدستور على انها وبموجب هذا الدستور، يجب ان تنجز خطوات (التطبيع، الاحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها، لتحديد ارادة مواطنيهاأحرى في

)، وبالتالي فان التدخل العسكري المرفوض من قبل الاطراف المترابطة في كركوك يؤدي الى عدم تطبيع الاوضاع فيها، وكما شاهد الجميع المظاهرات التي خرجت في كركوك واطرافها ضد عسكرة هذه المنطقة دليل قاطع على رفض اهاليها لهذه القيادة العسكرية ومنها ينتج التوتر الذي هو معاكس تماماً للفقرة التي تطالب بالتطبيع في كركوك.

من حيث الإتفاقات السياسية التي ابرمت في عام 2007 اي بعد المصادقة على الدستور العراقي بعامين فقط، تعد عمليات دجلة وتمركزها في المناطق المتنازع عليها مخالفة تماماً للوعود والعهود التي قطعت تجاه الكورد لحين تطبيق المادة 140 الدستورية. وتم التوقيع على الإتفاق الرباعي في (16/8/2007) بين الحزبين الكرديين (الإتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة الرئيس جلال طالباني والحزب الديمقراطي الكوردستان بقيادة الرئيس مسعود بارزاني) من جهة، والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي (عبد العزيز الحكيم) وحزب الدعوة الاسلامية (نوري المالكي) من جهة اخرى.

وبالإختصار تعد عمليات دجلة العسكرية غير دستورية وفق المادة 61 من الدستور، ومخالفة للإتفاق الرباعي في العام 2007.
Top