فلسطين دولة بصفة مراقب.. المعاني والدلالات.....................عبدالغني علي يحيى
ومن النتائج هذه، يتبين، انه لو عرضت قضايا كل الشعوب المحرومة من الاستقلال والدولة على un للتصويت عليها لكانت النتيجة عينها تتمخض عن التصويت، ولنا تجربة سابقة مع un بهذا الخصوص، وهي تشكيلها للجنة باسم (لجنة تصفية الاستعمار) وذلك في مطلع الستينات من القرن الماضي، وبفضلها حصلت العشرات من الشعوب على حريتها واستقلالها دون المرور بمرحلة الثورة وإراقة الدماء.
لقد تحقق المكسب الكبير للشعب الفلسطيني في اليوم المذكور بعيداً عن التفاوض والحوار مع اسرائيل بل وعلى الضد من إدارة الاخيرة، ما يعني ان الحق الفلسطيني انتصر دون استحصال موافقة (تل أبيب) والذي كان يعد بمثابة شرط لحصول الفلسطينيين على الحرية والاستقلال، وكان بمقدور اسرائيل ان تسلم بالأمر ولم تقف ضده، لتسجل بذلك مأثرة تنقذها من بقايا عزلة مزمنة تعاني منها منذ ظهورها كدولة عام 1948، بيد انها أبت إلا أن تتجرعها (العزلة) وتنزل من هيبتها، ان كانت لها هيبة. ولنا تجربة اخرى في مجال نيل الشعوب لحقوقها دون مرضاة المحتل المتعنت، ففي عام 1991 تم فرض منطقة الخطر الجوي على يقارب الاكثر من نصف كردستان العراق من قبل التحالف الدولي المنتصر في حرب الخليج الثانية، وبذلك نسفت النظرية الفائلة باستحالة نيل الشعب الكردي لحقوقة دون التفاوض مع بغداد أو نيل موافقتها بدعوى أن مفتاح حل القضية الكردية بيد بغداد، وكان بوسع بغداد أيضاً ان تبادر بحل القضية الكردية دون ان يفرض الحل عليها، ومايتبعه من هوان ومذلة واللتان لحقتا باسرائيل في ال 29 من تشرين الثاني الغائب. وقبله بالعراق.
ان ما تحقق للشعب الفلسطيني في اليوم المشاراليه يعود الفضل فيه الى الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تعد بحق بمثابة قائد تأريخي للشعب الفلسطيني، علماً أن أبو مازن عندما تحرك باتجاه جعل فلسطين دولة بصفة مراقب، فان الكثيرين في حينه قيموا سعيه كمغامرة أو خطوة غير صائبة، ناهيكم عن تهديدات اسرائيل المتواصلة ومحاذير الولايات المتحدة، لكن الرجل لم يأبه بكل ذلك، ومضى قدماً في الاتجاه الذي رسمه الى أن تحقق لشعبه ما أراد.
ان ماجرى في ال 29 من تشرين الثاني الماضي، بعث التفاؤل في نفوس كل الشعوب المضطهدة و المحرومة من الاستقلال والدولة، وهو ان من الممكن للشعوب نيل حريتها في غياب الاسانيد التقليدية السابقة لحق الشعوب ونعني بها الاتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي السابقين، اضافة الى مؤسسات وعوالم كانت تصب في الأتجاه نفسه، وانه ليست كل المفاتيح بيد الولايات المتحدة وحليفاتها، بل انها فضلاً عن ذلك فأنها واجهت هزيمة نكراء لاتقل عن هزائم اخرى في الساحة الدولية، مثل هزيمتها في عام 1975 في أقطار الهند الصينية، ومع كل هذا، فان موقفها الرافض لحق الشعب الفلسطيني كما تبين ليس من الصحيح سحبه على مجمل سياساتها الخارجية التي تحظى في معظمها برضى وتأييد الشعوب مثل وضعها حداً لظلم الصرب للبوسنين المسلمين، وانتصارها للشعب الكردي وما يزال، فدعمها لنضال الشعوب العربية وربيعها العربي.. الخ من مواقف مشرفة، حرمت الدول العربية والاسلامية نفسها شرف تبنيها. ومع هذا فما زال أمام واشنطن الوقت لتعدل عن موقفها الخطاء من حرية الشعب الفلسطيني وتنتقل الى موقع الداعم لها بدلاً من أن تكون في موقف من العزلة في المحافل الدولية، فمن مجموع (191) دولة لم تؤيدها سوى (8) دول، فهل هنالك عزلة خانقة كهذه؟ وماذا ستكون النتيجة لو استمرت واشنطن على موقفها الرافض لحق الشعب الفلسطيني.
لا يؤخذ على (واشنطن) التزامها بأمن اسرائيل سيما وان العرب بدورهم لا يدعون الى ازالة الاخيرة ومحوها وكل ما يدعون اليه هو إقامة دولة فلسطين في حدود عام 1967، ودلت الاحداث على التزام واشنطن بدول وشعوب اخرى، مثل التزامها بأ من وسيادة الكويت وشعبها في عامي 1990 و1991 عندما قامت باستعادة الاستقلال لدولة الكويت وطرد قوات الاحتلال العراقي منها. ولكن الذي بؤخذ عليها معاداة الحق الفلسطيني المشروع وما يترتب عليها من عزلة للولايات المتحدة تجعلها منبوذة في أعين الجميع.
ويبقى قبول فلسطين بصفة مراقب في un وما يترتب على ذلك من مكاسب لهذا الشعب المظلوم الذي يستحق اكثر من ذلك، ناقصاً ما لم تسحب un التطور الهام للقضية الفلسطينية يوم 29 تشرين الثاني 2012 على شعوب تحيا اوضاعاً مماثلة للشعب الفلسطيني، فالعدالة يجب ان تشمل الجميع، وهي تقضي بقبول جميع الأمم التي تعاني من اوضاع قلقة في الأمم المتحدة ليس بصفة مراقب فحسب، بل بصفة دولة مستقلة، ومن هذه الشعوب الشعب الكردي المهدد كيانه الديمقراطي بحرب محتملة من قبل الحكومة العراقية الحالية قد تقضي على التقدم المدهش الذي حققه الشعب الكردي في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان والاعمار والبناء، وبالمناسبة هذه وبعد مرور نحو (50) عاما على تشكيل لجنة تصفية الاستعمار، فان الأمم المتحدة مدعوة الى انهاء اشكال اضطهاد واحتلال الشعوب كافة سيما التي تتعرض الى القهر والاستعباد من لدن حكومات العالم الثالث بدرجة رئيسة والتي تتمسى ظلما بالوطنية، فما زالت هناك شعوب كثيرة في العالم تتطلع الى الحرية والاستقلال مثل البلوش والاذريين وعرب الاحواز والكرد في ايران، وشعوب: الصحراء الغربية وجنوب اليمن و دارفور والامازيغيين والتبت وتركمانستان الشرقية والشيشان. ليس هذا فحسب، بل أن هناك شعوب تتطلع الى الشيء نفسه في اعرق الديمقراطيات، مثل الاسكتلندنيين في بريطانيا والكتالونيين في اسبانيا والكيبكيون في كندا.. الخ ان على الأمم المتحدة ان لا تتردد في تلبية مطاليب هذه الشعوب، وليكن (لكن شعب دولة ووطن مستقل) شعارا لمرحلة، وفي العالم اليوم العشرات من الشعوب المضطهدة التي تحلم بتأسيس دولها المستقلة، وعلى مدى العقود الماضية ضحى الملايين من بين البشربارواحهم واموالهم لكي تنعم شعوبهم بالحرية والاستقلال وتأسيس دول خاصة بها. ولم يعد مقبولا ابداً الالتفاف على الشعوب والتحايل عليها من خلال شعارات وكلمات براقة من قبيل، الاخوة في الدين، او الناس سواسية كأسنان المشط، ولافضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى.. الخ من الافكار التي يراد بها قهر الأمم واذ لالها. ان على un وجميع المنظمات التي تليها من حيث الاهمية التحرك باتجاه تصفية كل اشكال الاستعمار الحديثة، وإلا فان الحروب بين الأمم تبقى سجالا.
والف الف تحية وتهنئة الى الشعب الفلسطيني للنصر الذي حققته قيادته التأريخية له يوم 29 تشرين الثاني 2012