من المنتصر في حرب الأيام الثمانية؟..................عبدالغني علي يحيى
و(تجربتنا مع اسرائيل أثبتت نحن الأقدر على الصمود) و(رد المقاومة سيكون ثقيلا وبوزن جريمة الأحتلال) و (وقف الحرب بشروط المقاومة)..الخ
ورافقت العنتريات الجديدة القديمة، خطابات نارية، لمشعل وهنية، لو شاركت في اي مهرجان خطابي لفازت بالمرتبة الأولى، وتأتي الوقائع الميدانية لتكشف دخول حماس الحرب من غير عدة، مثل افتقارها الى المعلومات الاستخبارية التي تشكل شرطا لاحراز النصر هاما، والدليل قصفها العشوائي للبلدات الاسرائيلية بمئات الصواريخ. و(مخض الجبل فولد فأرا) اذ كانت الحصيلة مقتل (4) اسرائيليين لا غير، ما أظهر حماس كرام ماهر للحصو في الظلام. بالمقابل فأن المقابل امتلك ذلك الشرط بجدارة تجلى بقتله لقادة عسكريين بارزين لحماس، امثال: الجعبري والعطار وأبوصلاح وأبو جلال وحرب..الخ اضف الى ذلك، تدميرها للعشرات من منصات إطلاق الصواريخ ومقري الحكومة والشرطة ومصنع لأنتاج طائرات من دون طيار وبروج الشروق للاعلام.. ومن سخرية حماس وشماتتها بنتياهو ومليوني اسرائيلي لأحتمائهم بالملاجي فأستخفافها بالقبة الحديدية، نقف على لامسؤولية صارخة لحماس حيال أرواح مواطنيها، عندما لم توفر لهم يماثلها، ما أدى الى فرار 40% من سكان غزة من منازلهم ويعد هذا دخولا في الحرب من دون عدة أيضا. عدا ذلك، كان على حماس ان تراعي جقيقة كبيرة: تفوق اسرائيل العسكري على العرب كلهم، وأن تعمل بالمثل الصيني (اعرف نفسك واعرف عدوك، وخض غمار مئة معركة).
ومثلما كان صدام حسين يعاني من الجهل بالعلوم العسكرية والذي كان أحد أسباب هزائمه، فأن قادة حماس لاحوا بدورهم يعانون من جهل مركب به.
ومن شماتتها ايضا، ان الحرب الأخيرة كلفت اسرائيل(400) مليون دولار يوميا، وكأن الحرب بالنسبة لها كانت نزهة ربيعية، وهل بمقدور حماس ان تتقدم بأرقام عن خسائرها اليومية؟ يكفي ان نعلم انه بعد (3) ايام على الحرب، ظهرت افكار تشاؤمية، منها ان كارثة انسانية ستلحق بغزة من حيث شحة الغذاء والدواء وغيرهما من الضرورات.
ومن تقديراتها الخاطئة،ان الأوضاع تغيرت لصالحها بظهور حكومات منتخبة في المنطقة جاء بها الربيع العربي ، من غير أن تضع ببالها ان شعارات الربيع العربي لم تكن قومية قط ، لكي تنتصر لحماس، ثم ان الأوضاع التي تلت الحكومات المنتخبة، زخرت وماتزال بالفوضى والاضطرابات ما جعل من بلدان (الربيع) اعجز من أن تداوي جروحها. ولسان حال شعوبها أقرب الى الترحم على مبارك وبن علي .. فهل من المنطقي ان تلتفت الى حرب حماس ولديها ما تكفيها من المشاكل.
ولقد اخطأت حماس في اعتقادها بجر العرب الى الحرب، لينا صروها ظالمة أم مظلومة، فمثلما لم ينجر العرب الى حرب الايام الستة 1967عسكريا. كان من الطبيغي أن لاينجروا الى الحرب الاخيرة، ويكتفي معظم زعمائهم بالحرب بالكلمات، فرئيس البرلمان العراق قال (ان العراق لن يقف مكتوف اليدين) في وقت تستعد فيه حكومته لشن الحرب على كردستان، وقال رئيس الوزراء المصري بعدم إمكان السكوت عن ما تتعرض له غزة من ماسي. وحذا قادة عرب حذوهما حين لم يبخلو بالكلمات والاقوال، وادركت حماس ذلك قائلة و(يتطلع الفلسطينيون إلى ان تكون افعال العرب اكثر من أقوالهم) ويظل العرب، كلمات وزيارات وفود، مثلما كانوا في حرب الأيام السنة، وهم محقون في عدم انجرارهم وراء مغامرات حماس وطيشها.
وفي أجواء الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، والاضطرابات في معظم الدول العربية فلا يتوقع أحد ان ترتقي الافعال الى مستوى الاقوال، أما الدول والجهات التي شجعت حماس بشكل غير مباشر او مباشر على الحرب، يكفي أن نعلم ان حزب الله مثلا، لن يتعدى فعله، اطلاقه لطائرة بدون طيار فوق اسرائيل قبل الحرب ويبقى البشير لايتخطى قوله ب(الرد على اسرائيل في الزمان والمكان المناسبين)، على خلفية مهاجمة الاخيرة لمجمع حربي سوداني، وتواصل ايران تهديداتها التي اعتاد الجميع على سماعها ولكن مع وقف التفيذ.
وخاضت حماس الحرب عاطلة عن مستلزمات النصر والتفهم لروح العصر كما سنرى، فاستطلاعات الرأي في اسرائيل بدت وكانها جزء من المجهود الحربي الاسرائيلي، فاثناء الحرب وبعدها ذكرت ان 84% من الاسرائيليين أيدوا الحرب و 30% اجتياح غزة فأرتفاع شعبية نتنياهو و باراك بين الاسرائليين مع اعتراض اكثر من 70% منهم على ايقافها، فاين حماس من هذه الاساليب الحضارية وهل استطلعت راي شعبها والدول العربية اثناء الحرب وبعدها؟
وتتميز الحروب الاسرائيلية- الفلسطنية العربية بنفس قصير وايام معدودات لاتتجاوز في معظمها اصابع اليدين، ما يعني ان الثورة الفلسطينية استشناء عن ثورات الشعوب ذات النفس الطويل، وتتميز ايضا باعداد من القتلى والجرحى كبيرة لدى الفلسطينيين، يقابلها عدد جد قليل لا يستحق الذكر من الاسرائليين- ففي الحرب الاخيرة قتل اكثر من 358 فلسطينيا وجرح اكثر من 1100 منهم مقابل (4) قتلى من الاسرائليين و جرح بضعة عشرات، في حين تكون خسائر الثوار في الحروب قليلة تقابلها خسائر جسيمة في صفوف أعدائهم.
ولتلافي الأستثناء ولكي لا يعيد التاريخ نفسه، على حماس ان تأخذ امورا على محمل من الجد، مثل، ان الفلسطينيين منشقون على انفسهم منذ اعوام في حين ظلت اسرائيل موحدة، وان العالم العربي بدوره منشق على نفسه بين معترف باسرائيل علنا وبين من دخل سرا في أشكال من العلاقات معها، وعلى الصعيد الدولي لم بيق المعسكر الشرقي الحليف القوي للعرب بل واعتراف جميع دوله باسرائيل، وفوق هذا لم يحرز الفلسطينيون زمن ذاك نصرا على اسرائيل فكيف تقدر حماس احرازه، في ظل المتغيرات أنف الذكر، والتي ليست لصالحها.؟ ان حماس مدعوة الى التفكير بعمق وفهم المثل الصييني المذكور، وبخلاف ذلك ستكون حروبها المقبلة كحربي الايام ال6 وال8 وما قبلهما وبينهما وسيجد الفلسطينيون انفسهم ابداً في (الصفحة الاولى) أو العودة الى المربع الأول.
خلاصة الكلام، ان الاداء الخاطيء لحماس في الصراع مع اسرائيل، من شأنه ان يفقد القضية الفلسطينية العادلة، الكثيرة من عدالتها.