حرب المالكي: دبلوماسية فاشلة.......................... عبدالكريم يحيى الزيباري
لم يتخرَّج من كلية عسكرية، لم يلتحق بكلية القيادة أو الأركان أو الحرب أو الدفاع الوطني، لم يقرأ عن حروب القرن العشرين، ولا القرون السابقة، ينظرُ إلى الخارطة العسكرية كما ينظرُ إلى لعبة أتاري، ولأنَّهُ الأكثر ذكاءً بما يملكه من قوة خطاب وبلاغة، لم يسمع أحداً يقول له ذات يوم: لا ليس الأمر كما تقول فخامة دولة الرئيس. لم يسأل أبداً: أينَ يَكْمُنُ الخَلَلْ؟ حاشيته من الساسة الذين يتنبؤون بما سيقعُ في المستقبل، لم ولن يقوموا بأعمالٍ نافعة في الوقت الحاضر، ونحنُ نعذرهم لجهلهم وقلة خبرتهم وضآلة ثقافتهم، لكن التاريخ لن يرحمَ الذي اختارهم.
مَنْ يَملكُ قرار الحرب في الحكومة العراقية؟ في دستور الولايات المتحدة إعلان الحرب من صلاحيات الكونغرس الأمريكي، المادة 58 من الدستور العراقي: من صلاحيات مجلس النواب(الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءاً على طلبٍ مشترك من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء). أغلبية الثلثين لن تتحقق والطلب المشترك شبه مستحيل: الحرب لن تقع لأنَّها تفتقد الشرعية، لكن جميع الحروب وقعت غير شرعية. أيُّ دبلوماسيةٍ هذه التي تهدِّدُ بالحرب؟ بدلاً من استبدال الدبلوماسيين المتعصبين الفاشلين لأنهم أوصلونا إلى هذه النقطة، يشجعونهم!! أشباح الحروب الجبلية القديمة، تدور في رؤوس الأجيال كأخي الخَمْرِ يَسمو تارَةً ثمّ يُصرَعُ، نتائج الحرب لا تشمل ساحة الحرب فقط، بل تتغلغلُ إلى مرافق الحياة كافة داخل الوطن وخارجه، الحرب تقرر مصير الوطن لأجيال قادمة، كلُّ حربٍ تجرُّنا إلى حربٍ لاحقة، ككلِّ ذنبٍ إنَّما هو عقوبة الذنبِ الأولِّ، الحرب الأهلية 1974 تسببت بحرب الخليج الأولى وشرعية التنازل عن شطِّ العرب، حرب الخليج الأولى جَرَّت إلى الثانية وشرعية ديون الحرب الأولى، الثانية جَرَّت إلى الثالثة. متى استراحت أرضُ الرافدين من الحروب، لتحدثونا عن حربٍ جديدة؟ المحاربون لا يعلمون بالتأكيد عدد الأرامل واليتامى. في سفر العدد من التوراة: سأل موسى بني جاد و بني راوبين: هل ينطلق إخوتكم إلى الحرب وأنتم تقعدون ههنا؟ هل سترسلُ جنودك إلى حربٍ خاسرة في جبالٍ وَعِرَة وتقعد أنتَ وحاشيتك تطلق التصريحات النارية في المنطقة الخضراء؟ هل قرأت تاريخ المعارك التي جرت في تلك المنطقة؟ في(مذكرات آمر لواء مشاة)يقول الفريق سعيد حمو(طلبَ مني مقر جحفل لوائنا ومحافظ الموصل خلال النصف الأول من شهر كانون الأول 1961 مِراراً أنْ أقومَ بفتح طريق دهوك العمادية، إلا إني أخبرتهم أنَّ القطعات المتيسرة لديَّ لا تكفي والطريق طويل والعوارض والخوانق كثيرة، فطلبتُ التعزيزات إلا أنَّهم لم يعززوني بأية قطعات لِذا لم أقم بتنفيذ الواجب/ص19) هل قرأت عن مصاعب الحرب الجبلية؟ هل تعلم أنَّ أحداً لم يحقق نصراً حاسماً في الجبال منذ الفتوحات الإسلامية إلى حروب تركيا والعراق في التاريخ الحديث؟ هل تعلم أنَّ المملكة السعودية وحلفاءها توقفوا طويلاً ثمَّ استشاروا حلفاءهم وقرروا عدم إغراق جنودهم في حرب جبلية مع الحوثيين؟ هل سمعتَ أنَّ صَدَّام استعان بخزعبلات بعض الصوفية الدجالين، فقالوا له: لا تنسحب من الكويت. أنت منصور. اسمك مكون من تسعة عشرَ حرفاً، وكذلك بسم الله الرحمن الرحيم، وكذلك اسم صلاح الدين, وقصَّ عليه البعض رؤى ومنامات تؤكد نصره المزعوم. هل تعتقد النَّصرَ صِناعةُ القادة ذوي الصدور المزينة بالنياشين والسيوف والخناجر؟ قادة الجيش أنفسهم ورطوا صدام: سوف نسحق العالم كله. سيغرقون في مستنقع العراق. بغداد مقبرة الغزاة. وفي شباط 2003 قال له قائد القوات الخاصة(ركضَ الجنود سبعين كيلو متر مع عتاد الخط الأول. سأله القائد العام: إذا نفدَ عتاد الخط الأول؟ سنأكلهم بأسنانِنا سيدي!!)وبعد ثلاثة شهور فقط كان قائد القوات الخاصة العراقية يُقبِّل بول جاكوب ولفوفيتز اليهودي مواليد نيويورك 1943، من بطنهِ. نعم من بطنهِ وليس من كتفهِ قائلاً(شكراً لكم أنقذتمونا من هذا الجحيم)صار قائداً لشرطة المحافظة، ثمَّ وكيلاً لوزارة الداخلية، وبالتأكيد تعلمون اليوم أينَ وإلى مَنْ ينتمي. يقول الفريق سعيد حمو: يوم 13/11/1961(حضرَ آمر لواء 11 ورئيس أركان الفرقة إلى مقر فوجنا في دهوك وأخبراني أنَّ عبدالكريم قاسم لا يريد سماع أيَّة معلومات تفيد بأنَّ الملا مصطفى يقوم بتحشيد المسلحين في المنطقة لاستئناف حركة التمرد. لذا نصحني بعدم إرسال مثل هذه المعلومات التي كنتُ أرسلها إلى المراجع/ مذكرات آمر لواء مشاة- ص17)وخلال شهور طويلة قبل الغزو الأمريكي ظلَّ صدام يلتقي القادة والآمرين والجميع يكذبُون: معنويات عالية واستعداد قتالي وكلمات حماسية غبية. سألتُ الرائح والغادي: أليس في العراق رجلٌ رشيد يخبره الحقيقة؟ قال أحدهم: لكنَّه لا يريد سَماعَ الحقيقة. قائد فرقة من جيش القدس لا أذكرُ غير لقبهِ العبيدي قال له: هذه كلها أكاذيب، الكلُّ يخدعك، المعنويات منهارة، نسبة الهروب من الجيش مرتفعة جدا، أسلحتنا صدئة وعتيقة، الجنود عراة جياع، ما بهم طاقة لامتشاق الحسام، سوف تسقط بغداد خلال الأسبوع الأول من الحرب. أطرقَ القائد العام، ثمَّ قال(لن أقتلكَ من أجل عائلتك وأطفالك الذين ينتظرونك يا جبان فقدت القدرة على القتال)أُمِرَ به فنزعوا رتبته وثيابه وطردوه من القصر الجمهوري!!. مشكلة القائد العام في العراق الجديد لا تختلف كثيراً عن مشاكل أسلافهِ الذينَ فضلوا أنْ يدمرَّهم المديح ويذبحهم على أن ينقذهم النقد أو يبنيهم.