المظاهرات .. أشياء تقال
مصر مختلفة، شعب فيها ينبض حيوية لافتة. رغم فقر الناس الشديد، وانشغالهم بقوتهم اليومي وكدحهم المر في سبيله، إلا انهم قادرون أن ينتفضوا بالملايين، ويتظاهرون في الساحات حالا حينما تتعرض حريتهم لخطر، مشهد المصريين في الميادين المصرية الفائرة منذ أول أمس، ضد قرارات الرئيس محمد مرسي المتعلقة برفضه التنازل عن الإعلان الدستوري، درس مختلف، شيء يحرك في المرء خيالا، هذا شعب ينتمي إذا شئت للدين اللين لا للمتدينين الذين خطفوا السلطة وأشاعوا أن مصر دينها هكذا، هذه حيوية تنقلها لنا الشاشات ونسمعها من أفواه المحتجين عابرين ومثقفين إعلاميين وباعة خضار وكسبة في الشوارع وعلى النواصي المكتظة حتى اللحظة بالذين يسميهم الإعلامي اللامع إبراهيم عيسى أحرارا بالفعل، في القاهرة والاسكندرية والمنصورة وبورسعيد والإسماعلية وغيرها من المدن، أبرز علامات هذا الاحتجاج الذي تعيشه مصر هذه الأيام يتجلى أيضا برفض المؤسسة القضائية نفسها بمختلف مستوياتها وأعلاها قرارات الرئيس وتصرفاته، فعطلت كل دوائرها رفضا، وماأدراك ما المؤسسة القضائية المصرية ومدى منعتها وقوتها وثقلها على طول خارطة البلاد.
مازلت أتابع على الشاشة حشود المصريين المليونية وهي تهتف وتحتج وتشي بما يشبه الثورة المضادة، وفي قلبي غصة علينا، شعب يتسلى بالنسيان لاتهزه الزلازل، ينام ويصحو على كوابيس تقض مضاجع حياته أو تسرقها ولايحرك ساكنا، يلعب به التاريخ ككرة وتحرك حياته رغائب الطائفة الدفينة فيتأجج متى شاء مشعلو فتنتها الكبار تحريكه، لايتحرك إلا لذلك، وإلا من يتخيل مثلا أن يعيش العراقي يومه على هذه الحياة المرة البائسة التي لاتليق ببشر ثم يذهب وينام وكأن شيئا لم يكن، من يتخيل أن شعبا تسرق أمواله بهذه الطريقة وتهدر ملياراته عيني عينك، ويضحك عليه سياسيون فاسدون ، ثم يذهب يعزي نفسه بالغيب بدلا من حياة مرفهة يستحقها تسرقها فئة ؟!
*سكرتير تحرير صحيفة "الاتحاد" البغدادية