كردستان.. الشركاء.. الخلافات.. الحرب
في العراق، الزم قانون "خدمة العلم" خريجي الجامعات بالالتحاق بكلية الاحتياط التي تمنح رتبة ملازم ثان. تمت دعوتنا (1965).. ومن جملة الدروس، مخططات لحرق القرية (الكردية) التي تدخلها الوحدة العسكرية. فتاريخ علاقة الدولة بالقضية الكردية كانت حربية اساساً.. تطورت لاعلى مراحلها باستخدام السلاح الكيماوي والانفال والتهجير والتبعيث والتعريب وتغيير القومية واسقاط الجنسية كما مع "الفيلية"، او القتل الجماعي كما مع "البرزانيين". فدافع الكرد عن انفسهم بالسلاح والمفاوضات.. وادرك شركاء الوطن ابعاد الفتنة .. فرفضت الاغلبية العربية والتركمانية وغيرهما الانسياق وراء تبريرات المنطق العنصري.. ولم تمنع مدعيات الحكومة ا
لامام الحكيم (قدس سره) بالافتاء بحرمة مقاتلة الكرد.. وكذلك كان موقف الشهيدين الصدر والبدري. فاصبحت مناطق العراق ملجأ المنفيين الكرد، وكردستان ملجأ احرار العراق. وولد من المنافي والسجون، وفي مناطق الموت والبؤس والفقر، التحالف التاريخي بين المحرومين والمضطهدين، باسمائه المختلفة.
اعتقلت (1962) في سجن معسكر الرشيد العسكري.. ومنعت عنا المقابلات واللقاء بالسجناء.. وكان في الزنزانة المجاورة مجموعة كردية -محكومة بالاعدام لاسقاط طائرة حربية- يسمح لهم بالمقابلات. فصرنا عند مرورنا الى المرافق الصحية نرمي لهم بقصاصة، هي وسيلتنا الوحيدة للاتصال بالخارج. نشير للحادثة للتدليل، انه رغم كل القساوة في التعامل مع الكرد، والتي استهلكت موازنات العراق وملايين الضحايا بين قتيل وجريح ومشرد، لم يواجه الكرد الاعمال الشنيعة للقتل والتدمير الجماعيين بالثأر الجماعي، بل بالعمل الدفاعي ضد وحدات نظامية واشباهها. فلم ينقلوا الحرب الى الوسط والجنوب، مع قدرتهم على ذلك.. ولم يثأروا "كالقاعدة" و"الصداميين". فقاوموا.. وفاوضوا.. فانتصروا، مع انتصار العراقيين.. وحكمت لهم –ولنا- المحاكم في قضايا كالانفال وحلبجة.. وسعينا سوية لازالة موروثات الماضي.. واتفقنا على دستور، ضمناه حقوقنا والتزاماتنا.
هناك اشكالات واخطاء وتجاوزات كثيرة يرتكبها الجميع، ولو بنسب مختلفة.. وسيبقى باب الفتنة مفتوحاً ان بقي باب الحوار والاصلاح والدستور مغلقاً. فالحروب يسهل الانزلاق نحوها وتبرير اندلاعها، لكنه يصعب الخروج منها والدفاع عن مسؤولياتها.
عادل عبدالمهدي