• Sunday, 22 December 2024
logo

مات الدكتاتور، عاش الدكتاتور

مات الدكتاتور، عاش الدكتاتور
هناك جملة مشهورة في التراث الملكي تستعمل في حالة موت الملك الاب وأستلام الملك الابن للحكم، وهي جملة؛ مات الملك، عاش الملك. أي أن الملك الاب رحل الى أجله، لكنه لم يمت تماما لان ابنه، الملك الجديد سيرث الحكم من بعده ويواصل المشوار.

عند النظر الى تأريخ العراق الحديث منذ أن أنشأه بريطانيا العظمى في عشرينيات القرن الماضي، نرى أن الجملة الملكية المشهورة آلانفة الذكر تتكرر في الواقع السياسي العراقي بين فترة واخرى ولكن بصبغة جمهورية، حيث يذهب دكتاتور ويحل محله دكتاتور آخر ليواصل المشوار وكأن العراقيون يقولون مات الدكتاتور، عاش الدكتاتور.

ان التغيير السياسي في العراق، في واقع الامر لا يعني بالضرورة أن العقلية السياسية قد تغيرت هي ايضاً. وحرب تحرير العراق بقيادة الولايات المتحدة الامريكية عام 2003 أزاحت الدكتاتور صدام حسين من الحكم ولكنها لم تستطع بصورة عامة ان تخلع العقلية الدكتاتورية من ذهن الكثيرين من عراقيي الداخل والخارج.

اعتقد ان العقلية الدكتاتورية ما زالت باقية في عقول الكثيرين في العراق الجديد، وهذه العقلية مع الاسف تقاوم حتى آخر لحظة دفاعاً عن بقاءها واستمرارها. وهذا يناقض مبادئ وأسس العالم الجديد وتطور التأريخ، حيث أن عجلة التأريخ لا يمكن أن يتحرك الاًّ الى الامام، وأن العراق لا يمكن أن يرجع الى حكم الفرد الواحد أو الجماعة الواحدة، وأن التعددية والمشاورة والتوافق في اتخاذ القرارات هي الحل الوحيد.

دخلت أوروبا الغربية في حربين عالميتين كانت ضحاياهما الملايين من ألارواح البريئة، وفي النهاية وصلوا الى قناعة تامة بان السلام والحوار والعيش المشترك هو الحل الانسب للجميع، ولا يمكن للسلاح ان يكون أداة الوصول الى نتائج مرضية، كما لا يمكن للشر ان يكون بديلاً عن الخير. لقد فهموا وأصابوا وها هم يعيشون في نعيم فهمهم لتقبل الرأي والرأي آلاخر.

ان التشنجات الحالية بين ما تسمى بقوات عمليات دجلة (التي شكّلها رئيس وزراء العراق بقرار فردي وبدون مشاورة شركاءه في الحكم) وقوات البشمركة في المناطق المتنازع عليها، ما هي الاّ انعكاس للعقلية الحاكمة التي تؤمن بأن لغة السلاح يجب ان تدرس من جديد في مدارس العراق وهذا ما لا نراه بادرة خير.

ان على العراقيين جميعاً العمل على نشر المحبة والسلام ولغة الحوار والتعايش المشترك، والتركيز على اعادة الاعمار وبناء ما خرب في الماضي، لا العمل على خلق المشاكل والتشنجات. كما ان عليهم جميعاً الوقوف وبحزم (استناداً الى الدستور العراقي والقوانين المعمولة بها) لمنع أي محاولة سلب للسلطة أو فرض قرارات جماعة أو فئة معينة على الجميع.
Top