هل المخاوف الكردية في سورية مشروعة؟
المخاوف التي يبديها الأكراد في سوريا حيال مستقبلهم السياسي الذي يناشدونه في مرحلة ما بعد الأسد , تبدو ومن الوهلة الأولى مبررة ومنطقية, لذلك يلاحظ أن جُل تركيز الوفود الكردية والمتمثلة غالباً بأعضاء من المجلس الوطني الكردي التي تحضر عادة مؤتمرات المعارضة السورية , وسعيها الدؤوب هو الحصول على ضمانات مدونة في وثائق ومقررات تلك المؤتمرات تنص صراحة وعلى أقل تقديرعلى الخصوصية الكردية في سورية كثاني قومية في البلاد يربوعددها على ثلاثة ملايين نسمة , أي نسبة 15% من مجموع عدد السكان , وما قد يتمخض عن ذلك من حقوق وإمتيازات.
ومرد هاجس القلق الذي ينتاب الأكراد في سورية ويقض مضاجعهم هوالبون الشاسع بين المفهوم السياسي الدارج حول النظرة إلى القضية الكردية في العقل السياسي الثقافي الكردي كماهية وحلول , وبين المفهوم السائد الذي يتبناه غالبية أقطاب المعارضة السورية إزاء هذه القضية , والتي إن ( تكرمت ) وأشادت بالوجود الكردي في سوريا وعلى مضض وتطرقت الى الحلول أو الحقوق , فإنه لا يتجاوز السقف الذي تحدده المواطنة لذلك , هذا الفرق الواسع بين الموقفين غالبا ما يترك فجوة عميقة بين الطرفين ويزيد الشرخ ويعمق الخلاف ويعيق أي إلتحام أو توافق جاد بين الأكراد وسائر المعارضة حول بقية القضايا الوطنية.
وغالبا ما تخلو معظم برامج المعارضات السياسية السورية وتفتقر الى أفق وتصور واضح بخصوص المسألة القومية الكردية وسائر قضايا الأقليات العرقية والمذهبية الأخرى التي تميز المجتمع السوري , والتي تندرج ضمن القضايا الساخنة والملتهبة التي لا تحتمل البت فيها , مما يفاقم من مخاوف الأكراد وبقية الأقليات من قادم الأيام ما بعد الإطاحة بنظام الأسد.
وتعاظمت تلك المخاوف تدريجيا على أثر تصريحات مختلفة من رموز وأقطاب بارزة في المعارضة السورية , كشفت فيها دون مواربة عن مواقفها ونظرتها إزاء المسألة الكردية في سورية من منظور مغاير ومناقض صميمياً مع المنظور الكردي ويصطدم مع طموحه الجامح , كالتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري السيد برهان غليون , والتي شبه فيها الأكراد في سوريا بالأفارقة المهاهرين في فرنسا , أو كالتي يفصح عنها بين الحين والآخر ناطقين بارزين بإسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية.
موازين القوى على الأرض لا تشي بالخير وهي ليست في صالح الأكراد , والوقت يمضي والتحديات تتفاقم , والآمال المعقودة على المستقبل تتلاشى في ظل تكاثر نقاط الضعف التي تنخر الحراك والنضال الكردي , وعنوانه الأبرز الفرقة والإنقسام والتشرذم , وغياب جسم سياسي جامع وشامل لكل الفعاليات السياسية وأصحاب الحراك الميداني , تكون بمثابة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الكردي في سوريا , وإنتخاب رئيس له يحظى بإحترام وتقدير الأغلبية الساحقة من الأكراد , من شأن ولادته تقوية موقف وموقع الأكراد في أي مباحثات أو مفاوضات محتملة مع المعارضة السورية التي تتأهب لإستلام السلطة في المستقبل في حال إزاحة النظام الراهن , وتبين في هذا المضمار أن كل جرعات الدعم والمؤازرة التي قدمتها لهم قيادة إقليم كردستان العراق في سبيل تقاربهم وتعاضدهم ذهبت أدراج الرياح , لإنعدام الرغبة والإرادة الحقيقية في إنجاز ذلك المشروع , والإكتفاء بوجود مجلس هزيل يدعي أحقيته بتمثيل الشارع الكردي دون حق , على غرار إدعاءات المجلس الوطني السوري الذي كان يدعي الشيء عينه في تمثيل الشعب السوري.
وفي ظل هذا الواقع المزري والحقائق المريرة يتربص بالكرد في سورية مخاطر حقيقية جمة , من شأنها إن لم يتم تداركها والحيلولة دون تفاقمها, أن تخرج الأكراد من اللعبة والملعب معا , ولن ينالوا شيئا من الكعكة الموعودة وسيخرجون ( من المولد بلا حمص ) , وجميعها ستكون لها نتائج كارثية مدمرة على حاضرهم ومستقبلهم , وستتحول الفرصة المنتظرة طويلا إلى كابوس مرعب يطبق على أنفاس الجميع , ومن تلك الأهوال المحدقة بهم :
1- خطر الاحتراب الكردي – الكردي الذي ظهرت إرهاصاته في أكثر من منطقة كردية , كالذي حصل في كوبانية ( عين العرب ).
2- خطر الاقتتال الكردي – العربي , وما يحدث في تربسبي ( القحطانية ) بوادر مؤسفة ومقلقلة وتخدم في النهاية أجندة النظام في دمشق.
3- الخطرالذي يشكله كتائب الجيش الحر بإقتحامه للمناطق الكردية , وإقحامها في دائرة النزاع المسلح مع قوات النظام , مع ما يعنيه من إستجرار للدمار والتشريد والنزوج , وما حصل في سري كانيه ( رأس العين ) مثال ساطع على ذلك , وقد يفضي إلى إشتباكات مسلحة بين تلك الكتائب والمسلحين الأكراد في حال عدم مغادرتهم لها.
4- ردة فعل النظام الشرسة إزاء تغلغل عناصر الجيش الحر وتمترسها في المناطق الكردية المأهولة بالسكان , أو التي يسيطر عليها المسلحون الاكراد.
5- الحشود التركية على الجانب الآخر من الحدود المحاذية للمناطق الكردية في سوريا.
مما لا شك فيه أن المعطيات والوقائع تبعث على التشاؤم والقنوط وهي طاغية وبادية للعيان لا بل تتعاظم وتتكاثر بسرعة مذهلة, والطامة الكبرى أن الجهود المبذولة في سبيل تفاديها وفرملتها وهي في المهد , ما تزال محدودة ومشتتة ومتواضعة , ولا يوجد أدنى درجات التكافؤ بين الفعل وردة الفعل , ولكن وكما يقال بأن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة , ولا مناص للأكراد من مجابهة هذه الحقائق بعقلية متنورة حضارية عصرية تنسجم مع حجم الصعاب التي تعصف ببلدنا ومنطقتنا وتكون عنوانها الأبرز التكاتف والإنضواء تحت لواء ذلك الجسم السياسي المنشود الذي يضم الجميع دون إقصاء أو تهميش أحد من أحزاب ومستقلين وفعاليات على الأرض إلخ , وإشراك ومشاركة كافة مكونات المنطقة من عرب ومسيحيين في صياغة القرارات التي تعني الجميع دون إهمال او إستبعاد أحد لمجرد الخلاف معه فكريا أو سياسيا,لأن قدرنا المحتوم أن نعيش معاً , ودعنا نثبت جميعاً وللجميع بأن التنوع نعمة وليس نقمة والفرصة ما تزال سانحة.