الخليج هدوء ما قبل العاصفة
شهد الخليج العربي هدوءاً ربما لم يشهده من قبل في ظل الاوضاع التي تحيط به وليست ببعيدة عنه. لو نظرنا إلى الخريطة الجغرافية والجيوسياسية للمنطقة فاننا سنلاحظ شرقاً إيران وباكستان وهما تشهدان اوضاعاً سياسية وعسكرية واقتصادية غير عادية واضطرابات شعبية لا تشعر انظمة الحكم فيهما بأي استقرار.
فايران التي يسخن ملفها النووي ووضعها الاقتصادي المتدهور وتأثير العقوبات الدولية عليه بل ان ايران باتت تنشر وتنقل نشاطها إلى خارج حدودها حتى القارة الأمريكية الجنوبية اصبحت مصدراً لكثير من الانتقادات ومثار خوف وترقب لكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودخول ايران كذلك لاعباً رئيسياً في صراعات سوريا ولبنان وعلاقتها شبه المتأزمة مع تركيا ونشاطها داخل العراق وانضمامها إلى النادي الروسي الصيني في المشكلة السورية كل ذلك يدفع الرأي العام الامريكي والاوروبي لتشديد الرقابة على هذه التحركات. ناهيك عن الملف الايراني مع دول مجلس التعاون الخليجي واليمن. فإلى أين تذهب الأوضاع في ايران وإلى اين تتجه سياساتها؟ وإذا نظرنا إلى باكستان وارتباط أوضاعها الداخلية والخارجية بما يدور في افغانستان وعلاقتها مع طالبان والقاعدة وقربها من مياه الخليج والمحيط الهندي قد يدفعنا إلى القول باهمية الامن والاستقرار بالنسبة لباكستان لان أمن الخليج لن يكون بمنأى عن اضطراب الأوضاع داخل باكستان ولو ذهبنا لشمال الخليج في العراق فعلى الرغم من مرور تسع سنوات على رحيل نظام صدام حسين ودخول قوات التحالف بزعامة الولايات المتحدة فإن هذا البلد ليس ببعيد على شبح تقسيم المخيم على العراق ودخول القضية الكردية التركية عاملاً بات يهدد مصادر النفط شمال العراق ولربما تكررت قضية انفصال السودان بسبب الثروة النفطية والطائفية والعنصرية هناك.
استقرار الخليج مرهون باستقرار العراق وللأسف الشديد دخل العراق هو الآخر كجزء من المشكلة السورية وجزء من حلها.
وإذا نظرنا إلى الأردن فإنه يواجه أزمة سياسية واقتصادية أدت إلى تغيرات دستورية متسارعة ومتتالية تزيد الأزمة الاقليمية حدة. إذن يسيطر القلق والترقب وعدم الاستقرار على شمال وشرق الخليج اما جنوبه فإن مضيق هرمز برغم هدوئه وانسياب الملاحة عبره وعبر الخليج وبحر عمان وبحر العرب الا من حوادث متفرقة يثيرها القراصنة. مما يهدد الملاحة عبر هذه البحار والبحر الأحمر ومضيق باب المندب هذه المفاصل والأذرعة البحرية لابد أن تبقى في منأى عن الصراعات الدولية والإقليمية لتبقى التجارة العالمية في أمان وحرية ويبقى الشريان الذي تتدفق منه ويتدفق عبره النفط طاقة الخليج والعالم مفتوحاً. أما إذا القينا نظرة على دول مجلس التعاون الست فما زال الهدوء يخيم عليها عدا احداث داخلية في بعضها تتم السيطرة عليها وهي لا تؤثر على أمن الخليج لا من بعيد ولا من قريب الا ما يرتبط بعضها باطراف خارجية قد تحاول العبث بأمن هذه الدول وليس من مصلحة الشرق ولا الغرب ان تخرج هذه المنطقة عن السيطرة المحلية والاقليمية والدولية إلا إذا فكرت جهات مثل اسرائيل في مخاطرة غير محسوبة لتقويض أمن الخليج. ويكفي الخليج الزحام العسكري الذي يشهده بوجود أكبر قوة عسكرية بحرية تجوب مياهه وموانئه وقواعده. أهل الخليج قد لا يشعرون بذلك لأن حالة الاستقرار هي المسيطرة في الوقت الحالي ولكن كل شيء يعتمد على ورقة اللعبة السياسية الدولية التي توجه الأوضاع في العالم تسخنها حين تشاء وتهدئها حين تشاء حسب مصالحها. لكن حال الاستقرار هذا قد لا يبعدنا عن القول ان بعض دول المجلس لديها مشاكل داخلية وان بدت بعيدة عن تأثيرها على الجوانب الأمنية مباشرة لكن تركها دون معالجة حكيمة حقيقية قد تثير زوابع تكدر هذه الأجواء ومنها ما يسمى بالباحثين عن العمل وهي مشكلة مصطنعة وليست حقيقية لأن الايدي العاملة الوافدة هي الغالبة حتى في التركيبة السكانية هذه الايدي العاملة الوافدة الزائدة عن الحاجة في بعض الأحيان إلى جانب انها تمتص ثروات البلدان المقيمة فيها فإنها توجد مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية واخيراً وصلت إلى انتماءات سياسية أجنبية. اضافة إلى ما يسمى بالفساد المالي والاداري المحرك الرئيسي لمشاعر المواطن والمتسبب في كثير من الاضطرابات التي شهدتها بعض دول المجلس. ومن المشاكل التي تعاني منها هذه المجتمعات ما سماه بعض الإسلاميين (زواج المحرمات) ونعني به ادارياً الجمع بين السلطة والمال. ويدخل في منظومة الفساد الاداري الذي شهدنا مؤخراً محاولات لمحاربته والتقليل من تأثيره ان لم يكن القضاء عليه. دول مجلس التعاون مدعوة اليوم قبل غدٍ أن تبادر إلى دراسة أوضاعها الداخلية لتفادي ما أمكن الوقوع فيما وقعت فيه مجموعة الربيع العربي التي تحول ربيعها إلى خريف. المسؤولون في دول المجلس مطلوب منهم وضع استراتيجية في ضوء المتغيرات التي يشهدها العالم لابعاد المجتمعات الخليجية عن حال التردي في اقتصاديات بعض الدول الأوروبية والجوانب النفسية والاجتماعية التي تعمل على تفكيك قوة هذه المجتمعات.
هذا اضافة إلى مشاكل التعليم والصحة والأمن الاجتماعي . الثروة التي تتمتع بها دول المجلس نسبياً استمرارها من استمرار الأمن والاستقرار نعم هذه المجتمعات مهددة إن لم يبادر المسؤولون إلى وضع أصابعهم على مواضع الألم وهي كثيرة وان كانت حتى الآن خفية لم تؤثر بشكل كبير على صحة وسلامة المجتمعات.
مساحة من الحرية مطلوبة والديمقراطية مطلب شعبي لكنها ضمن القانون ليس فيها انفلات ولا تعديات على أحد. الصورة لا تبدو وردية لكنها لم تصل بعد إلى درجة العتمة حيث يصعب تلمسها.
إذا كانت دول المجلس استطاعت في كثير من الاوقات تجاوز ادخال الخليج في اتون الصراعات والحروب مع حرص كثير من الأطراف جر الخليج إلى هذه الحالة لكن تمكن أهل الخليج من ابقاء هذه المنطقة الحيوية والحساسة بعيداً عن شبح الحرب فهل الأوضاع الحالية تساعد على تجنيب الخليج أزمة يتأثر بها كل العالم ومن المسؤول أهم أهل الخليج أم هناك قوى محركة يمكن ان تكون صانعة للحدث بمقدورها أن تضع استراتيجية دولية لأمن الخليج؟ فالمسؤولية كما نراها ليست منفردة لكنها تحتاج إلى تضافر الجهود لتحديد أسس وأهداف هذه الاستراتيجية.
نحن نشعر اليوم أن هناك من تهمه هذه المنطقة وسلامة أهلها واراضيها وبقاء الخليج والممرات المائية حرة لكن المصالح كما قلنا هي التي تحدد كل ذلك أرجو أن يتنبه أهل الخليج إلى حجم المخاطر المحدقة بالمنطقة إذا لم تكن هناك حكمة في معالجة الأوضاع الحالية فلا نغتر بالهدوء وبالثروة ونركن إلى الصمت وإلى الدعة والسكون وعدم الاكتراث.
الأوضاع الداخلية أحد المحركات للتغيير وملفاتها كما ذكرنا كبيرة متعددة ووسائل الاعلام المتعددة قد تكون وسيلة لتسخين هذه الأوضاع كما حدث في بعض الدول العربية إذن التغيير والتطوير يجب أن يكونا ذاتياً وآلياً مبرمجاً ومدروساً ليلبي رغبات أجيال متعطشة للعيش الكريم واهمالها يعني اثارتها. اما الملفات الخارجية فلندع أصحاب السياسة والدبلوماسية والكياسة يعالجونها بما يحفظ لدول الخليج أمنها واستقرارها.