• Sunday, 22 December 2024
logo

التهرب

التهرب
في زمن النظام الملكي وبعده الجمهورية الأولى قبل إنقلاب شباط الدموي، كان بعض المواطنين يستخرجون "شهادة فقر الحال" موقعه من شاهدين يؤيدها مختار المحلة، توثق لدى سلطات "اللواء"، فيتم بفعلها إعفاء المواطن من بعض الرسوم، ضمنها رسوم الدراسة المسائية في ثانويات نقابة المعلمين.

وبفضل "ثورات" شباط 63 وثورة تصحيحها في تشرين و17-30 تموز والحروب على إيران وغزو الكويت ومحاربة العالم اجمع، صار العراقيون جميعاً رسمياً حائزين على شهادة الفقر. فبعد ان كان الموظف يحصل على سلفة للسياحة يزور فيها الدول الإشتراكية الأرخص في العالم، نتيجة مضاربة مواطنينا بالدولار، وحقيقة طبيعة نظامهم في توفير الأساسيات، صار الموظف "تحل عليه الصدقة" في فتوي لزميلي الساخر الأستاذ داود الفرحان.

ووفقاً لمقابلة اجريتها مع د. خير الله بابكر نشرت في "الاتحاد" تحدث عن طموحه في تقديم الحصة التموينية للمواطن بشكل لائق، مفرداتها مرزومة في علبة، مشيراً إلى ان لهذه الفكرة تكاليف تفوق ما مخصص للفرد بقرابة 5 دولارات، فالمقرر هو قرابة 8 فيما الكلفة مع التغليف تجعلها قرابة 12 دولارا للمفردات الجيدة. وكشف النقاب عن أن موازنة وزارته لتغطية الحصة التموينية تغطي 9 شهور فقط من اصل السنة الحالية..

كان على التجارة اللجوء إلى مجلس الوزراء، خصوصا وبعض المتنفذين ممن يريدون الحصول على تراخيص غير مشروعة من الوزارة، يوظفون أداءها للتشهير كلما رفض الوزير تحقيق مطامعهم.

واستسهل غالبية مجلس الوزراء إلغاء مفردات البطاقة واعباء استيراد وتسويق المفردات الغذائية، مع أن المالكي شخصياً كان مع إستيرادها، بحكم: تدني كفاءة أداء ملاكات التجارة والمساندين، والفساد الذي لا يشمل نوعية التعاقدات والعمولات وخفايا اخرى، واستبدال المستوردة بمواد ادنى نوعية في الطريق للمخازن او عند التوزيع وفي الطريق إليهما.

وفي عمودي السابق قلت أن البطاقةالتموينية ليست مكسباً، إنما هي مخرج لحالة الإفقار التي ابتلينا بها نتيجة أوهام القوة ومغامراتها، لذلك فأن الغاءها جزء من حالة الإزدهار، وهي حالة تدريجية تتحقق أولاً في الإرتقاء بنوعية المفردات، وإضافة مواد ثابتة اخرى للبطاقة مثل الدجاج "غير مسحوب اللحم"، والبيض والمعجون..ألخ.

بعدها وبفعل دعم الحكومة لوزارة التجارة في الإستيراد بالتعاون مع القطاع الخاص يصبح تعلق المواطن عرضياً بالبطاقة التموينية، لأنه لا يعود بحاجة إلى "مكاسب" شهادة فقر الحال الناجمة عن القمع الداخلي والاعتداء الخارجي والتصنيع العسكري الذي استنزف كل عملتنا الصعبة في مشاريع غير انتاجية.

إن بيانات بعض الأحزاب السياسية جيدة في التراجع عن الإلغاء غير المدروس للمفردات الغذائية، وخطوة نادرة في الإعلان عن "خطأ" للحكومة، لكن في الوقت نفسه ينبغي ان يكون التشخيص شجاعاً وليس بإلقاء تبعية الخطأ على الأخرين، فمثل هذا الإسلوب لا يبنى دولة ديمقراطية شفافة، إنما يستلهم التأمر والتصفيات التي برع بها النظام الشمولي.
Top