علما الاستقلال والبعث كلاهما لايرمزان إلى الأكراد في سورية
وإثر تلك الاعتداءات سادت حال سخط واستنكار شعبيين واسعين في طول كردستان سورية وعرضها حيث عمت مظاهرات الاحتجاج والتضامن العارمة مع أكراد حلب وعفرين, ونتيجة أجواء الاحتقان والغضب بادر بعض الشباب الى انزال أعلام الاستقلال السورية المرفوعة على مقار أحزاب ذاك المجلس في مدينة كوباني كونه العلم نفسه الذي ارتكبت تحت ظلاله تلك المجاميع المسلحة الارهابية الجرائم بحق الشعب الكردي في حلب وعفرين, وعلى اثر ذلك وفي محاولة للتغطية على صمتها المخزي الذي ربما يبطن ما هو أكثر من الصمت, بل قد يندرج في سياق مباركة وتزكية هذه الهجمات, كي لا نقول أكثر, خصوصاً وأن رموز هذا المجلس باتت تتقاطر على اسطنبول مجددا, وما أدراك ما اسطنبول, فثارت ثائرة هذه الأحزاب "الثورجية" نتيجة انزال رمز ثورجيتها المستجدة الذي هو بالمناسبة ليس محل اجماع وطني سوري حاله حال علم البعث الحالي أضف الى أنه لا يرمز بتاتا الى المكون الكردي, لا من قريب ولا من بعيد, فاذا كنا نثور ونسعى الى بناء سورية جديدة ديمقراطية تعددية على انقاض البعث الساقط تمثلنا جميعا, عربا وأكرادا وسائر المكونات القومية والمذهبية والدينية, فان العلم الوطني الجديد والجامع كتحصيل حاصل ينبغي أن يرمز الى هذا الواقع الموزاييكي التعددي على غرار ما حصل في عراق ما بعد البعث مثلا حيث تم اعتماد علم وطني جديد على انقاض علم النظام البائد.
ولعل ما حفزني على كتابة هذه الأسطر تعليقا على ثوران ثائرة هذه الأحزاب دفاعا عن هذا العلم العروبي شكلا ومضمونا في زوبعة أخرى تضاف الى سلسلة زوابعها في فنجان بؤسها وعطبها البنيويين هو مكالمة هاتفية وردتني من العم يوسف الذي استهجن اصرار هذه الأحزاب على التمسك بهذا العلم وافتعال المشكلات وصولا الى تهديد وحدة الصف الكردي في سورية بسبب علم لم يراع حقيقة وجود شعب وأرض كرديين ملحقين بالدولة السورية ابان اعتماده بعيد استقلال تلك الدولة, وليضيف أنه لا يزال يتذكر عندما كانوا طلابا صغارا كيف أن معلميهم كانوا يشرحون لهم دلالات ألوان العلم فالأسود يرمز للخلافة العباسية والأبيض للخلافة الأموية والأخضر للخلافة الراشدية تيمنا ببيت شعر لصفي الدين الحلي : "بيض صفائحنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا" وليردف طالما أن الأمر يتعلق بألوان ترمز لخلافات اسلامية فلماذا لا يتم الآن ادراج النسر الأصفر كرمز للدولة الأيوبية في هذا العلم أو الشمس, ما قد يجعل المرء حينها يرى في ذلك اشارة بمعنى ما الى الأكراد في سورية .
فأين هي الرمزية أو الدلالة الكردية والحال هذه في مثل هذا العلم الذي لا نكن له أي عداء أو بغض, بل بالعكس هو محط احترامنا كرمز يعتمده كثير من القوى المعارضة والمنتفضة على الاستبداد وليس كلها طبعا, فمثلا هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي لا تعتمده فهو لا يرمز للمكون الكردي وبأي حال بوصفه مكونا سوريا رئيسيا وجزءا عضويا من الثورة على الاستبداد, وعليه فالأجدر بنا المضي في رفع رموزنا وأعلامنا القومية الكردية كما هو ديدن مجلس الشعب لغرب كردستان وحركة المجتمع الديمقراطي تأكيدا على خصوصيتنا وشراكتنا في الثورة وعملية التغيير وبناء سورية المستقبل كدولة تعددية لا مركزية والتي لا بد من وضع علم جديد لها بما يمثل المكونات السورية كافة ويعبر عنها .
ولعل شعور عدم الانتماء الى هذا العلم بترميزاته ومضامينه الذي انتاب يوسف زوزاني الطفل الكردي الطالب في المرحلة الابتدائية هو شعورنا جميعنا حيال هذا العلم وخصوصاً مع تراكمات أكثر من نصف قرن بعد الاستقلال وما تخللها من تعريب وتبعيث وصهر قومي وقمع بحقنا, فهذا الشعور الطبيعي القومي والتحرري يبدو عصيا على ملامسة الذائقة الشعورية لدى بعض الأحزاب الكردية السورية المتناسلة هذا ان كان لديها هكذا ذائقة أصلا.
شيرزاد عادل اليزيدي