• Sunday, 25 August 2024
logo

الكرد والعراق، أيهما بحاجة الى الآخر؟

الكرد والعراق، أيهما بحاجة الى الآخر؟
من الأسباب الحقيقية لاستفحال المشاكل والقضايا القومية في العالم ، مصادرة حق الشعوب والأمم في تقرير مصيرها بنفسها ، حيث كان من الطبيعي ان تندلع وفي اي وقت من الأوقات الثورات والصراعات والحروب في الدول التي تشكلت من خلال الاندماج القسري لمكوناتها القومية ، ثم تعرضت تلك القوميات لشتى صنوف الاضطهاد القومي والعرقي والمذهبي .... العراق وتركيا وايران والسودان والجزائر والاتحاد الوفيتي السابق ، امثلة حية على مانقول ، وعلى العكس من هذا ، اذا ما جاء اندماج القوميات اندماجاً طوعياً في أطار الدولة الوطنية واستعدت تلك القوميات لقبول التعايش السلمي معاً في ذلك الاطار ، فأن المشاكل والأزمات والصراعات القومية ستنرول كنتيجة حتمية لذلك الاندماج الطوعي ، سويسرا مثال حي لهذا النموذج الحضاري ، ولاجدال في ان المشاكل القومية ومصادرة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها ، كانت وراء زوال وتفكك الاتحاد السوفيتى واسلوبه التسلطي المركزي . ان مصادرة حقوق القوميات في تقرير مصيرها ، ادت الى اندلاع لهيب حروب طاحنة احرقت الاخضر واليابس . عام 1991 ادى وقوف الجيش اليوغسلافي ضد استقلال سلوفينيا وكرواتيا ثم ضد استقلال البوسنة والهرسك ومقدونيا ، الى حدوث حروب مدمرة ، وفي عام 1999 هاجمت الجيوش الاطلسية الجيش الصربي لاجبار يوغسلافيا على ايجاد حل للقضية القومية في البانيا.... ولاننسي ان استفحال المشاكل القومية في منطقة البلقان ،شكل السبب الرئيسي للحرب العالمية الأولى ، لان الدول التي استحدثت قبل وبعد الحرب في البلقان ، لم يعيروا اي اهتمام بحقوق وتطلعات القوميات التي الحقت بهم قسراً ، من هنا بدأت ازمات ومشاكل المنطقة تتعمق وتستفحل . اليوم نجد في العالم عموماً وفي العالم الثالث على وجه الخصوص ، العديد من القوميات الحورومة من حقوقها والملحقة قسراً بالدول التي تشكلت بعد الحرب العالمية الأولى .

وبقدر تعلق هذا الامر بالعراق كدولة متعددة القوميات والاعراق ، نرى ان تأريخ الكرد كقومية اقدم من تأريخ العراق ككيان سياسي حديث ومستحدث ، هذه الحقيقة يعيدنا الى بدايات العقد الثاني من القرن المنصرم ، عندما الحق ووفقاً لسياسات الاحلاف والمحاور الاستعمارية جزء من الوطن الكردستاني والقومية الكردية بالعراق الذي تم رسم حدوده وفقاً لرغبات الدول الكبرى وعلى حساب الشعب الكردي بعد ان حولوا هذا الشعب المظلوم الى اقلية وحرموها من حقوقها القومية والانسانية ، ومنذ ذلك اليوم تكونت اول علاقة بين تأريخ الكرد السياسي وتأريخ العراق السياسي الحديث ، ولاشك في ان العلاقة السياسية التأريخية تلك لم تكن قط علاقة سليمة لان الشعب الكردي أجبر على الآندماج بالعراق قسراً وحرم من حقوقه القومية وتعرض في اطار هذه الدولة لابشع واخطر الكوارث الانسانية ، لذلك يمكن القول ان التأريخ السياسي للكرد في اطار الدولة العراقية كان ولحين سقوط الدكتاتورية تأريخاً دموياً صنعته الانظمة السياسية المتعاقبة على كراسي السلطة في بغداد وكان مليئاً بالمأسي والمظالم المرتكبة بحق الكرد وفي عقر داره ، وبذلك ظهرت على الساحة السياسية العراقية طرفين ، طرف ظالم مثله الانظمة والحكومات الانقلابية العربية العراقية وطرف مظلوم مثله الشعب الكردي ، ومن هذين الطرفين تبلورت مضمون وشكل المعادلة السياسية العراقية غير السليمة وغير المتساوية عبر عقود طويلة من الزمن ، مايؤسف عليه هو ان الحكومات تلك كانت تتجاهل حقيقة ان تثبيت ركائز والاستقرار السياسي في العراق لم يكن ليتحقق عبر القفز على حقوق وتطلعات الشريك الوطني اي (الشعب الكردي) . وتناغماً مع نهج الحكومات العراقية ومنذ الايام الاولى لالحاق كردستان بالعراق بدأ الكثير من الكتاب الشوفينيين العرب بتشويه الحقائق امام الرأي العالم العراقي والعربي عبر تصوير الكرد على انه القومية التي يجب ان يكون دائماً بحاجة ماسة الى العراق وحكومته المركزية المستبدة وليس العكس ، وهكذا تم نسيان حقيقة ان عدم ايجاد الحلول للقضايا القومية في الدول المتعددة القوميات ، هو الذي ادى ويؤدي الى تقسيم وتفكك وزوال الانظمة الشمولية المركزية التي تصادر الحريات الديموقراطية وتقع الانسان وتعيش على حساب مأسي الشعوب . ان الوقت قد حان لان يدرك شركاء الكرد السياسين الذين لازالوا يقيمون الاستحقاق الكردي في العراق تقييماً ضابياَ والذين لازالوا يتعاملون ومع الاسف ، مع الواقع الكردي كتكتيك مرحلي لاجتيار المأزق ثم العودة الى المربع الاول كالحكومات العراقية السابقه ، لابد ان يدركوا ان الحقوق الدستوريه والقومية والسياسية للكرد في اطار العراق اضافة الى كونه تحرك حضاري بأتجاه تثبيت ركائز الاستقرار السياسي في العراق ، فانه من جهة اخرى خطوة بأتجاه ضمان مستقبل العراق ككيان سياسي موحد قادر على معايشة مفاهيم الديموقراطية والتحضر ، من هنا لابد للجميع ان يدريكوا انه واذا مااستطاعت اغلبية قومية او اقلية قومية ان تحتكر السلطة في العراق المتعدد القوميات وتصادر الحقوق القومية والمذهبية والحريات السياسية والفردية للمكونات الاخرى ولاكثر من ثمانين عاماً ، فأنه وفي هذا العصر ، عصر الصحوة القومية وحقوق الآنسان والديموقراطية وتكنولوجيا المعلومات ، من المستحيل ان ينجح هكذا اسلوب بائد في التعامل مع مقدرات ومستقبل الشعوب . وتأسيساً على كل ذلك يمكن القول ، انه لايوجد امام العراق المتعدد القوميات والمذاهب والاعراق غير طريقين لا ثالث لهما ، فأما القبول بمبدأ الاعتراف بالاخر في اطار عراق ديموقراطي فيدرالي موحد ضامن لحق المواطنة المتساوية المدعوم دستورياَ او قبول تقسيم العراق برحابة صدر . ومع كل هذا وذاك ارى ان النظام السياسي في العراق واذا مااراد ان يضمن حق المواطنة المتساوية لكل مكونات الشعب العراقي فأن بأمكانه ايصال العراق الى بر الامان والطمأنينة ، واذا لم يتجه النظام السياسي العراقي بهذا الاتجاه ، فأن العراق سيبقى كياناً ضعيف البنيان وسهل الاختراق تنخر به الازمات والمشاكل وبهذا سيكون دائماَ بحاجة الى الكرد كطرف مهم من اطراف المعادلة العراقية وليس العكس.

عبد المجيد زنكة
Top