• Sunday, 25 August 2024
logo

دماؤنا

دماؤنا
حسين فوزي

يقف المواطنون تقديراً لجهود ابنائهم أفراد القوات الأمنية التي اسفرت عن انخفاض عدد المواطنين شهداء القتل الجمعي في تشرين الأول المنصرم، البالغة اقل من نصف شهدائنا في الشهر الأسبق، 144 شهيداً مقابل 365 في ايلول، وهو نتيجة للطاقات الكبيرة لإبنائنا الشرطة والجنود وبقية المساندين.

لكن لا بد من تناول الجانب الآخر من الصورة: لماذا يستشهد 144 مواطناً ، بينما شهدت البلاد انحساراً لهذا القتل ايام قيادة الجنرال بيترايوس للقوات الأميركية، فيما تصاعدت همة السلطة على إقامة دولة القانون؟!؟ فلمعت عام 2008 شخصيات رئيسة في الدولة، لإنها بدأت تخرق شرنقة الطائفية وذرائعها في إنتهاك حرمة الحريات العامة والشخصية، بل إن آفاقاً رحبة اتسعت بعد الإنسحاب الأميركي، حيث القت فصائل مسلحة السلاح، وافلحت جهود “المصالحة الوطنية” في كسب جموع وافراد أخرين، فبات الشارع أكثر امناً، وصارت صدور ابنائنا من القوات الأمنية اقل تعرضاً للخطر والمواطنون اكثر طمأنينة.

هذه الحالة لم تستمر في ظل تعميق الخلافات بشأن ورقة الإصلاح السياسي، افضل تسميتها ورقة الإصلاح وليس اتفاق اربيل في محاولة ساذجة مني لتجنب إيحاء البعض بمسالة الخلاف بين “سلطة بغداد” والكرد، لأنها في الأصل ورقة خطوط عريضة ببنودها التسعة لتعميق دولة المواطنة والدستور وسيادة القانون، بإلغاء كل مظهر للتنازع الطائفي والقومي، والإلتزام بالدستور بتحويله إلى قوانين فاعلة وليس الى بنود معلقة في الهواء، واستكمال التحديث بالإحصاءات السكانية المنتظمة لتشخيص حجم المكونات القومية والبنى الاقتصادية القائمة والمشغلين لها، بالتالي تحديد حاجة الوطن من الكفاءات والإنتاج.

كانت الآمال معقودة على الولاية الثانية لرجل “دولة القانون”، ولم تخبو نهائياً بعد، لكن التحدي الكبير الراهن بوجه الجميع هو القدرة على إدامة ما بدأ مع بيترايوس، وتعمق بعده، إنها مسيرة حققت شعبية لكل من التزم بها حقاً بحكم العقيدة والتاريخ “الجهادي”، أو من ادعى الإلتزام بها مرحلياً ليقفز إلى قارب “التسلط”.

إن آمال جماهير غفيرة بسيادة القانون يطحنها القتل الجمعي، لكن هذه الجموع ليست معنية بإدراك البنى التحتية لإستقرار الدولة: العودة إلى مشروع الولاية الأولى ومكمله في الولاية الثانية للحكومة، وقبل كل شيء عدم استسهال الإستخفاف بالحلفاء التاريخيين، بسد منافذ تسلل تلاميذ مدرسة الاستحواذ، وما يكمل هذا النهج ، الحرص على التمسك بمبادئ المصالحة الوطنية: رفض التهميش لأي مكون أو طرف أو حتى فرد مؤهل وإشراكه في بناء العراق المدني الديمقراطي الاتحادي.

إن غياب قيم المصالحة والحرص على التماسك وعدم التفريط بأحد، والعمل على إستكمال مقومات الدولة المعاصرة المنسجمة مع معايير مطلع “القرن العشرين”، فيما نحن نعيش القرن الحادي والعشرين، البداية الصحيحة لحقن دماء المواطنين وتعجيل بناء “دولة الشرعية الدستورية والقانونية” وكسب محبة العراقيين وليس زعماء طوائف متخلفين وبعض الجوار.
Top