• Sunday, 25 August 2024
logo

أحمد آلتان: الموت باب مظلم

أحمد آلتان: الموت باب مظلم
إرتأيت ترجمة هذا المقال للكاتب التركي المعروف أحمد آلتان عن المعتقلين الكرد في السجون التركية اللذين اعلنوا الإضراب العام عن الطعام لحين تنفيذ مطاليبهم، لأهمية ما يحمله من معاني إنسانية سامية.

يقول أحمد آلتان:

لا رجعة بعد المرور من باب الموت، و قد إقتربوا من ذاك الباب.

بعد خطوة أخرى، سوف لن يرى أحبتهم و أمهاتهم و أبائهم وجوههم مرة ثانية، و لن يلمسون وجوههم، و لن يسمعون أصواتهم و ضحكاتهم و نكاتهم مرة أخرى.

سوف لن يطبَخَ مرة أخرى في بيوتهم طعاما كانوا يحبونه. سوف لن تنزاح ظلال الحزن و الحسرة عن وجوه أمهاتهم أبدا. و أبائهم سيبكونهم في الخفاء.

سيغمر أحبتهم و زوجاتهم في حزن أبدي، و سيحملون في ارواحهم هذا القدر الأسود.

أبناء الكرد يسيرون نحو الموت، في سبيل إحياء لغتهم التي سمعوها أول مرة من أفواه أمهاتهم عند الولادة.

مطلبهم بسيط جداً.

مطلب برّاق، وواضح وبريء.

إنهم يطالبون بلغتهم الأم، إنهم يطالبون باللغة التي تحدثت بها أمهاتهم.

إنهم يطالبون باللغة التي هدهدتهم بها أمهاتهم في المهود.

إن منع شعب ٍ من التحدث بلغته، و قولك له " لقد هدهدت طفلك في المهد بهذه اللغة، لكن ممنوع عليك أن تعلّمه بهذه اللغة" أمر مفجع و رهيب، و إستبداد مطلق.

إنكار لغة شعب يعني إنكار وجوده.

يموتون ليقولوا" نحن موجودون، نحن هنا، نحن أناس، و يحق لنا ما يحق لغيرنا".

أليس منح شعبٍ حق التعلّم بلغته الأم من قبل شعبٍ آخر، أمر منحط و مغضب و يستحق العصيان؟.

أنا لا أقول لماذا لا نمنح الكرد حقوقهم؟ بل أتسائل،" كيف نمنح لأنفسنا صلاحية منح هذا الحق للكرد"؟.

أنا قرأت جميع كتبي المدرسية بلغتي التي جاءت لأسماعي منذ أول لحظة من ولادتي.

إذاً لماذا لا يملك أبناء الكرد نفس الحقوق التي أمتلكها أنا؟.

ولماذا لا يتعلمون باللغة الكردية؟.

أمهات الكرد لن تفهمن اللغة التي يتعلم بها أبنائهن في المدارس. و لن يكون بإمكانهن الجواب على اسئلة ابنائهن حول مضامين كتبهم.

فكروا في ارض مقفرة، فكروا في طفل يعود إلى بيت يعلوا منه رائحة دخان الحطب، بعد مسيرة قارسة في الدروب الثلجية، تقلّب أمه صفحات كتبه، دون أن تفهم مضامينها.

فكروا في مدى خيبة الأمل التي تصيب تلك الأم.

فكروا في تلك الجدران التي شيدتموها بين ذاك الطفل و أمه.

من يملك الحق في فعل هذا؟.

من يملك الحق في التدخل في مصير لغة شعبٍ ما؟.

هؤلاء الأبناء كبروا و هم يعانون التعذيب في المدراس، لكونهم يتحدثون بلغة أمهاتهم.

إنهم يذهبون إلى الموت من أجل أن لا يعيش أبنائهم من بعدهم ما عانوه هم.

إنه الموت على بعد خطوة واحدة.

إنه الموت...ظلام إلى لا نهاية؟

لا رجعة بعد مرورك من ذاك الباب...تختلط مع الضياع المبهم.

لن ترى النور بعد ذلك، لن ترى أحبتك، و لن يراك أحبتك إلى الأبد.

لقد إقتربوا من الموت.





المصدر: صحيفة طرف التركية
Top