تسليح الجيش العراقي كلمة حق أريد بها باطل..... عبدالغني علي يحيى
ولنبدأ بالشق الأول منه، وهو أن تسليح الجيش العراقي حق، وكذلك استحداث صنوف جديدة فيه كعمليات دجلة حق أيضا والمرفوضة لدى الكرد والسنة وأطراف أخرى بينها التركمان وحتى بعض من الشيعة، كما أن تحريك هذا الجيش شرقا وغربا وشمالا وجنوبا داخل الحدود الدولية للعراق حق بدوره، ضمنه الدستور العراقي في مادتيه 78 و110.
لكن وكما قيل في قميص عثمان، (كلمة حق أريد بها باطل) والتي تنسحب على تسليح هذا الجيش وتحركاته وتشكيلاته الجديدة، فلقد نسب إلى المالكي، أثناء زيارته إلى روسيا وشرائه للأسلحة منها بقيمة 4 مليارات دولار، القول، إنه طلب من الروس تزويده بأسلحة تستخدم في المعارك الجبلية والصحراوية، ما يعني استعمالها ضد الكرد الجبليين، والعرب السنة الذين يقطنون في مناطق شبه صحراوية، عليه لا غرابة من أن يظهر ممثلو الكرد الذين في غالبيتهم سنة أيضا، والعرب السنة مخاوف جدية من صفقات الأسلحة التي أبرمها المالكي في روسيا ثم في جمهورية التشيك التي بلغت مليارا واحدا وقبل ذلك، الصفقة التي اتفق بشأنها مع الأميركان والبالغة 12 مليار دولار فصفقة جديدة معهم لشراء 18 طائرة من نوع 16 F، ما حدا بممثلي الكرد والعرب السنة إلى الاعتراض عليها بشدة، فمما قاله مؤيد طيب عن التحالف الكردستاني: «إن الكرد قلقون من تسليح الجيش العراقي» دع جانبا أشكال الاعتراض الكردي الأخرى رسميا وشعبيا. أما البرلمانية العربية السنية عتاب الدوري فقد طالبت «باستضافة المالكي إلى البرلمان لمعرفة طبيعة العقود التي وقعها مع روسيا»، وحذا الحزب الإسلامي العراقي حذوهما. والذي يفاقم من قلق الكرد، أن السعي المحموم لتسليح الجيش العراقي، سبقته تحركات للأخير في طول المناطق المتنازع عليها، في (زمار) و(ربيعة) بمحافظة نينوى، وفي محافظة كركوك، يكفي أن نعلم أنه تم حشد 30 دبابة و4 مدرعات وكميات ضخمة من القذائف في (الحويجة) جنوب المحافظة إضافة إلى مرابطة الفرقة 12 فيها. وفي ديالي خصصت قاعدة لقيادة عمليات دجلة... إلخ. وإذا كانت عسكرة المجتمع العراقي وحروب بغداد الداخلية والإقليمية قد اقترنت في الماضي بالعلاقات مع الاتحاد السوفياتي السابق، فإن القلق يتنامى من أن تؤدي العلاقات الجديدة واللافتة مع خليفته روسيا الاتحادية إلى «إحياء التحالف الاستراتيجي بين العراق والاتحاد السوفياتي السابق» كأن يبعث من جديد بمعاهدة الصداقة العراقية - السوفياتية، وأن يعيد التاريخ نفسه، إذ إن العلاقات السابقة بين البلدين تذكر العراقيين بالسلاح ووسائل التدمير الروسية الأخرى، خلافا للعلاقات مع الدول الأخرى التي تقترن بالمنافع المتبادلة تجارية كانت أم اقتصادية.
إن التحركات الميدانية للجيش العراقي، سواء في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل أو في المحافظات ذات الغالبية السنية العربية، والتي شهدت من بين ما شهدت في الآونة «عمليات الجزيرة» في المنطقة السنية، تقطع الشك باليقين من أن الحرب، على الكرد والعرب السنة في آن معا، ستتوج التسليح.
عدا ما أوردناه فإن أمثلة أخرى تقوي من التكهنات تلك، مثل إعادة الضباط السابقين إلى الخدمة للغرض نفسه، ويحتج الكرد على ذلك بشده وعلى وجه الخصوص على إعادة الطيارين منهم، ويخطئ من يعتقد أن الطموحات العسكرية العراقية ستتوقف عند شن حروب داخلية، فللتسليح أهداف أوسع تطال لا شك أقطارا خليجية تتقاطع مع إيران والعراق، ويساعد على ذلك التوتر المتزايد بين الدولتين إيران والعراق والدول تلك، فضلا عن تحول منطقة الخليج إلى بؤرة توتر من نوع جديد ومدمر منذ عام 1980 عندما بدأت حرب الخليج الأولى 1980 - 1988 والثانية في عامي 1990 - 1991 ما يفيد بأن بؤرة دائمة للتوتر ولدت في المنطقة وتتميز عن غيرها من البؤر في العالم بالحروب، وذلك على الضد من بؤر التوتر في شبه الجزيرة الكورية وفي فلسطين وكشمير بين الهند وباكستان وجزر متنازع عليها بين الصين واليابان وبين روسيا واليابان، وقبرص بين تركيا واليونان و(نوكورنوكرباخ) بين أرمينيا وأذربيجان والتي غالبا ما تتميز بالحرب الكلامية والتهديدات مع وقف التنفيذ، لهذا تظل بؤرة التوتر في الخليج الأكثر خطورة على أمن شعوب الشرق الأوسط والسلم العالي، من أي بؤرة أخرى. ولا ريب، أن هناك مستفيدين من الشرق والغرب من بؤرة التوتر الخليجية والتي دخلت عقدها الرابع من غير أن تلوح في الأفق بوادر لإنهائها أو جعلها لا تتخطى حدود الحرب البادرة والتهديدات مع وقف التنفيذ كما ذكرنا. ولما كانت ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين، قد أشعلت نيران حربين عالميتين، فلا ننسى أن العراق بدوره أشعل نيران حربين كبيرتين، ولولا فرض عقوبات على ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ومرابطة قوات التحالف الذي انتصر عليهما في أراضيهما، لكان إشعال نار حرب عالمية ثالثة متوقعا، بل حتميا، مما يدفعنا إلى التنبؤ بوقوع حرب خليجية ثالثة، وسيكون العراق وإيران وسوريا إن كتب لنظام الأسد البقاء، وكذلك حزب الله اللبناني بمثابة (دول المحور) التي أعلنت الحرب على الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وأقوى دليل على ذلك سباق التسلح الذي بز العراق وإيران فيه الجميع. ويعد ركض العراق وراء التسلح، وكذلك إيران، تحضيرا واستعدادا للحرب، فلا عجب من أن يتعدى تعداد جيش الأول المليون ونحو 700000 مقاتل، وأن يقدم على تنويع مصادر تسليحه لتشمل الغرب بعد أن كانت مقتصرة على الشرق، ثم إن خلافاته مع بعض دول الجوار التي كان يناصبها العداء، ما برحت قائمة، ومن المتوقع أن تشتد أكثر في ظل الأجواء الحالية. ويبقى الوضع في ألمانيا الشرق الأوسط والخليج (العراق) إن جاز التشبه على أهبة الاشتعال، فالحرب التي تنتظر على عجل من أمرها حلول السبب المباشر لاندلاعها. وبالتسليح التام للجيش العراقي فإن نتائج وخيمة سوف تترتب عليه. وفوق كل هذا وذاك فإن فشل الحكومة العراقية في تحقيق الاستقرار والخدمات وحل الأزمة السياسية والقضاء على الفساد وألوان من الاضطرابات، سيرغم بغداد على التوجه نحو الحرب هربا من الإخفاقات، وتحت وطأة توفر أسباب الحرب.
صحيفة الشرق الاوسط