الكورد في مواجهة استحقاقات المرحلة
كانت مرحلة ما بين الحربين العالميتين مرحلة الصراع على مناطق النفوذ بين الدول الإستعمارية الكبرى. حيث أن طوال ربع قرن لم يستقر العالم على ما آلت اليه نتائج الحرب الأولى لتتبدل دولة استعمارية بأخرى وإدامة النفوذ الإستعماري على كاهل الشعوب. كما في منطقتنا, حيث تحررت المنطقة من النفوذ والسيطرة العثمانية لتعاني من الإستعمار والإنتداب البريطاني والفرنسي بصورة أبشع. لذلك كانت مرحلة مليئة بالتقلبات والثورات إلى أن نشب الحرب العالمية الثانية بين 1939ـ 1945 وينتج مرحلة جديدة من عقد اتفاقيات دولية ووضع الدول الكبرى على سكة الإستقرار الحذر, كما شاهدنا وعايشنا المرحلة بما سميت مرحلة الحرب الباردة بين قطبين أنتجه الحرب ( قطب تقوده الإتحاد السوفيتي وحلف وارسو التي نشأت بعد الحرب الأولى, وقطب تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي والتي تشكلت بعد الحرب الثانية في مواجهة الأولى.) ومن نتائج تشكيل هذين القطبين هي انتزاع ارادة الشعوب وحقه في تقرير مصيره خارج إرادة هذين القطبين, وفي مقدمة هذه الشعوب كان الشعب الكوردي الذي عانى من غياب قرار دولي بحقه في تقرير مصيره بنفسه طوال سنين الحرب الباردة. حيث بقي الكورد صديقا لترابه في الوقت الذي لم يرى صديقاً له سوى الجبال التي حمته من الإبادة, و التي حاولت الدول المسيطرة على كوردستان بحروب بربرية أن تمحو الكورد عن الوجود وخصوصا في جنوبها وشمالها, من استعمال الغازات الكيميائية وحملات الأنفال لإبادة شعبنا أمام مرئى من عيون العالم من دون تحريك جفن.
مع انهيار الإتحاد السوفيتي وانفكاك حلف وارسو تحررت الشعوب من قيد القطبين لتتنفس بحرية أكثر, ولتتغير طبيعة المصالح والعلاقات الدولية, حيث أن النقاشات حول حقوق الإنسان وحق تقرير المصير للشعوب شاهدت أكثر سخونة في اروقة الأمم المتحدة, وأن موضوع التدخل في شؤون الدول أخذ طابعا جديدا ليكبل الأنظمة الدكتاتورية وتعاملها مع شعوبها بقسوة . فكان النظام العراقي أول نظام واجه القرار الأممي الذي أجبره على وقف ممارسات العنف ضد الشعب العراقي وخصوصا الكورد منه عندما اصدر قرار رقم 688 بخصوص حماية كوردستان من هجمات قوات النظام العراقي عام 1991 بعد الهجرة المليونية الى دول الجوار. هذا, وكان لأول مرة تناقش الحالة الكوردية على طاولة البحث الأممي لتكسر طوق العزل والصمت الرهيب, ولتخرج الكورد من كهوف بلاده إلى ساحات العمل السياسي والدبلوماسي مثله مثل أي شعب يعشق الحياة الحرة الكريمة. حيث أصبحت كوردستان الجنوبية مثلا خلاقا للنضال الكوردي من أجل حريته في الأجزاء الأخرى مع الحفاظ على مكتسبات ثورة الحرية التي حققها شعبنا في مواجهة النظام الدموي المستبد في العراق, إلى أن تحرر العراق كاملة من الطاغية عام 2003 لتكون مثالا لكل الطغاة والجبابرة والدكتاتوريين في العالم والمنطقة بشكل خاص. وكذلك التدخل الدولي في كوسوفو كان إشارة واضحة على أن التعامل الدولي فيما بينها قد تغير, وأن حرية الشعوب اصبحت من أولويات مهمام الأمم المتحدة, ومن حقها التدخل في اية دولة من أجل تحرير شعبها من الظلم والإستبداد.
ربيع الشعوب قد بدأ مع ثورة تونس ليغير المفاهيم في جوهرها الأخلاقي والإنساني, ليعبر كل البلدن التي تعاني من ظلم الإستبداد والفساد, حيث مر على مصر وليبيا واليمن. أما سوريا فهي صورة فريدة تختلف عن سابقاتها من الدول, كونها تشكل العتبة الرئيسة لمنطقة الشرق الأوسط وطبيعة مكونات شعبها. ومنها الكورد الذي يشكل أكبر ثاني قومية في البلاد, وأن جزء من كوردستان هو ركن من أركان الوطن السوري. ويعتقد أن من الصعوبة بمكان أن تطرح حلولا للأزمة السورية بمعزل عن الكورد, حيث هو أحد العناصر الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط ليلعب دوره المناط من أجل وضع خارطة جديدة للمنطقة من حيث جغرافيتها وتعاملاتها الدولية وشكل انظمتها.
كانت مئة سنة مليئة بالكوارث ضد الكورد فيما مضى, وبقي الكورد العنصر المكون لشعوب المنطقة أكثر حيوية ونشاطا وتشبثا بالحياة من دون أن يجلب الخطر على أحد أو ممارسة نشاط إرهابي ينزع صفوة الحياة لمن يتعايش معه. في الوقت الذي توزع الإرهاب بين كافة شعوب المنطقة, وخاصة العربية منها لتدك أكثر المناطق استقرارا في العالم, ولتغير المفاهيم في العلاقات بين الشعوب والأمم, وكذلك الدول. فتبين بأن الكورد, ومع تقسيم بلاده وسلب حرياته ومنعه من ممارسة كورديته يبقى جزء وعاملا مهما للحل في أية بقعة من تواجده وليس جزءً من المشكلة ليصبح بلاء على غيره, كغيره من الشعوب, ومع ذلك أنه اختار النضال السلمي من أجل تحقيق حقوقه اسوة ببقية الشعوب في المنطقة والعالم بما فيه تشكيل دولته المستقلة من دون أن يعتدي على أحد.
أن بداية الألفية الثالثة هي بداية قرن الإستقرار العالمي من خلال تنفيذ قرارات الأمم المتحدة بخصوص الشعوب وتقرير مصيرهم بنفسهم, ووضع اسس الديموقراطية والعدالة الإجتماعية بين الشعوب والمجتمعات والدول بما فيها التعامل بين الأنظمة القائمة وشعوبها. وأن عصر الديكتاتوريات وحكم الفرد والعائلة قد ولى وغربت شمس بقائه. وأن من حق الشعوب أن يرى شمس الحرية تشرق على بلدانهم وخاصة الشعب الكوردي الذي هو من أكبر الشعوب الذي لم يحصل على حقه في تقرير مصيره بنفسة أسوة بالشعوب الأخرى. وأن وطنه المجزأ يجب أن يتحرر ويتوحد ليرى نور الحرية ويشارك مع شعوب المنطقة في بناء صرح الحضارة الإنسانية من دون ان يزاحم أو يعادي أحد من الشعوب. وعلينا نحن الكورد أن نفهم أن طريقة التعامل مع الأزمات قد تغيرت, وأننا نحن طرفا في أية معادلة قد تجلب السلم والأمان للمنطقة من خلال تغيير أنظمتها الديكتاتورية والإستبدادية والفاسدة المفسدة. علينا أن نقرأ الحقائق كما هي لنأخذ مكانتنا في المعادلة الصحيحة ولنكون عنصرا للحلول وليس عنصرأ لإستدامة الأزمات أو ترك مكانتنا في صلب المعادلة لنجعل مكاننا فراغا قد تؤذينا وتشكل أذى للمنطقة. أمامنا استحقاقات ملحة , نحن الكورد شركاء في بناء الأنظمة في المنطقة, وشركاء فاعلين, وجودنا على الأرض يثبت ذلك, وأن أي تحرك بمعزل عن الكورد مصيره الفشل الأكيد, كوننا نشارك فعليا مستقبل تركيا وإيران وسوريا والعراق, وبالتالي علينا ان نشارك في بناء شرق اوسط جديد وبأنظمة جديدة مع حصولنا لحقنا في تقرير مصيرنا بأنفسنا.